متى اجتاح المغول المناطق الشرقية من العالم الإسلامي؟ من الممكن أن يراود هذا السؤال أي شخص من محبي التاريخ والمطلعين على أحداث العالم الإسلامي وتأثيراته المباشرة وغير المباشرة على واقعنا الحالي.

ولعل أي شخص يبحث في كتب التاريخ عن أحداث تركت بصمتها الخاصة في المناطق وأهلها حتى يومنا هذا سيهتم بالحروب والغزوات. إذ تبقى الحروب والاحتلالات من أكثر العوامل تأثيرًا على الحياة الاجتماعية والعادات المتبعة في مكان ما. ولطالما كانت مناطق العالم الإسلامي من أكثر المناطق تعرضًا للاحتلال والحروب المستمرة. حيث تشكل هذه المناطق بموقعها المتميز طريقًا تجاريًا ناجحًا لمرور القوافل والبضائع المهمة عبره. ناهيك عن الثروات الطبيعية التي تدعمها بيئة مختلف المناطق في العالم الإسلامي، وبالأخص الشرقية منها. الأمر الذي جعل الغزاة من مختلف القبائل والبلدان المجاورة تطمع بالسيطرة على هذه المناطق. لذلك تجد فيها دلائل وإشارات لتواجد العديد من الحضارات وشعوب القبائل التي عاشت فيها يومًا ما كالمغول مثلًا.

فكيف ومتى اجتاح المغول المناطق الشرقية من العالم الإسلامي؟ وما العوامل التي ساعدتهم على النجاح في غزو العديد من المناطق حول العالم؟ سنكتشف ذلك سويًا في مقالنا هذا.

متى اجتاح المغول المناطق الشرقية من العالم الإسلامي

ومن بين جميع الغزاة الذين احتلوا مناطقًا محددة من العالم الإسلامي، ترك المغول بصمتهم الخاصة في تاريخ هذه المناطق. إذ أظهر المغول طمعهم في مختلف مناطق العالم الإسلامي منذ بداية تشكلهم. لكن تمركزت محاولاتهم للسيطرة والاحتلال في المناطق الشرقية من العالم الإسلامي. وفي المقابل تذكر بعض كتب التاريخ أن السبب الرئيسي خلف رغبة المغول في السيطرة على العالم الإسلامي هو حادثة سرقة أحد ولاة مملكة خوارزم شاه لأموال بعض تجار المغول ثم قتلهم. الأمر الذي اعتبره قائد المغول آنذاك جنكيز خان دعوة صريحة لبدء الحرب. حيث شرع باستعداداته لبناء جيش قادر على اجتياح العالم الإسلامي كبداية وبعدها العالم أجمع.

وبدأ المغول باجتياح المناطق الشرقية من العالم الإسلامي في القرن السابع من الهجرة. حيث أعد هولاكو جيشًا يزيد عن مئة ألف جندي عام 651 للهجرة. وبعدها انطلق مع جيشه إلى دولة إيران لينجح في احتلالها عام 653 للهجرة. وبعد ذلك توجه إلى بغداد ليعلن احتلاله إياها عام 656 للهجرة. أما بالنسبة للمناطق التي احتلها من الشام، فقد استطاع هولاكو إعلان سيطرته على حلب بشكل كامل عام 658 للهجرة.

من هم المغول

المغول هم شعوب تجتمع باللغة والتقاليد التي تتصف بكونها بدوية قبلية. وترجع أصول معظمهم إلى شمال شرق آسيا. أما بالنسبة إلى موطنهم الأصلي فهو الهضبة المنغولية التي تُقسم في وقتنا الحاضر إلى دولة منغوليا ومنطقة منغوليا الداخلية المتواجدة في الصين. بينما تتعدد مناطق تواجدهم الحالية إلى جنوب روسيا وأفغانستان أيضًا. وتُظهر كتب التاريخ نشأة المغول للمرة الأولى في عصر عائلة تانغ الصينية. في حين تأسست الإمبراطورية المغولية على يد جنكيز خان الذي استطاع توحيد معظم قبائل المغول ضمن إمبراطورية واحدة. واستمر حكم جنكيز خان لهذه الإمبراطورية بأكملها إلى أن توفي عام 1227 ميلادي. وبعدها قسم أبناؤه الإمبراطورية المغولية إلى أربعة أقسام بهدف واحد هو السيطرة على العالم كما كانت رغبة جنكيز خان الأخيرة قبل موته. حيث أظهر تولوي وهو أحد أبناء جنكيز خان المسؤول عن السيطرة على العالم الإسلامي ولاءً كبيرًا لوصية أباه. فقام بتكليف ابنه هولاكو بقيادة الجيش من أجل احتلال المناطق الشرقية من العالم الإسلامي وقد نجح في ذلك نجاحًا أبهر كل من الأصدقاء والأعداء.

طريقة الحكم المغولي

بشكل مثير للدهشة تؤكد كتب التاريخ اعتماد المغول في حياتهم على القوانين الصارمة والأنظمة الدقيقة. حيث طبقت الإمبراطورية المغولية ضوابط نصوص الياسا من أجل الحفاظ على الاستقرار والأمن بين شعب الإمبراطورية. وقوانين الياسا المتبعة ما هي إلا قواعد تشريعية أقامها جنكيز خان من أجل اعتمادها كقانون أساسي مطبق في إمبراطوريته. ولعل أكثر ما اشتهرت فيه هذه القوانين هو التسامح الديني. فعلى الرغم من الاعتقاد الشائع بكره المغول للمسلمين بالعودة إلى رغبتهم الكبيرة في الاستيلاء على أراضيهم والسيطرة عليها. إلا أنه في الحقيقة لم تتواجد أية ضغائن أو أحقاد عند تعامل المغول مع المسلمين. بل على النقيض من ذلك، تظهر كتب التاريخ الدور الذي قام به بعض القادة المسلمين ضمن الإمبراطورية المغولية مثل الإيراني أحمد البناكتي الذي تسلم منصب وزير في البلاط الإمبراطوري بالإضافة إلى لقب السيد الأجل.

غزوات المغول

وكما كانت رغبة جنكيز خان في أن تسيطر الإمبراطورية المغولية على العالم، بدأ الحكام والقادات من بعده بالعديد من الغزوات والحروب لاحتلال أكبر قدر ممكن من الأراضي. ومن الممكن تعداد أشهر الغزوات التي شنها المغول بالشكل التالي:

  • الغزو المغولي لروسيا في عام 1237 ميلادي.
  • الغزو المغولي الأول لبولندا في عام 1240 ميلادي.
  • الغزو المغولي الأول للمجر في عام 1241 ميلادي.
  • الغزوات المغولية للإمبراطورية الرومانية المقدسة في عام 1241 ميلادي.
  • غزوات المغول على الشام في عام 1260 ميلادي.
  • الغزو المغولي الأول لبورما في عام 1277 ميلادي.
  • الغزو المغولي الثاني للمجر في عام 1285 ميلادي.
  • الغزو المغولي الثالث لبولندا في عام 1287 ميلادي.

وحشية المغول

ومن الجدير بالذكر أن العديد من كتب التاريخ تصف المغول بالوحشية والبربرية في فتوحاتهم. حيث يؤكدون أن الميزة المشتركة بين أي غزو أو حرب يشنها المغول هي كثرة القتلى من دون التفريق بين طفل أو امرأة أو شيخ. في حين يتواجد بعض المؤرخون والباحثون في كتب التاريخ الذين يدعمون فكرة أن المغول لم يكونوا همجيين بل كانوا أذكياء ومخططين بارعين. فهم يدّعون قيام المغول ببعض الأعمال الدموية بغرض التخويف فقط. لكن يعود النجاح المبهر للغزو المغولي في اجتياحه معظم مناطق العالم إلى الدهاء في التخطيط والقدرة على التحكم بالخلافات الداخلية والمواقف لصالحهم.

وفي الختام يمكننا أن نلاحظ بأن اجتياح المغول للمناطق الشرقية من العالم الإسلامي حدثًا مؤثرًا للغاية في تاريخ المنطقة. حيث توضح لنا الغزوات المستمرة لهذه الإمبراطورية مدى حنكة وذكاء قادتها وقدراتهم الإستراتيجية. الأمر الذي جعل معظم التطور الذي لاقته المناطق الواقعة تحت سيطرتها يتعلق بالأسلحة والحروب بدلًا من النهضة الحضارية أو العلمية.