هناك الكثير من الباحثين في عالم الاقتصاد، والذين اختبروا العشرات من الأفكار والنظريات الهامة، إلا أن هناك خمس نظريات هي من أهم النظريات في عالم الاقتصاد. وقد حازت هذه النظريات على جائزة “نوبل”، من الجيد أن تتعرف عليها، وأن تعرف مدى أهميتها في حياتك اليومية. حيث توّضح هذه النظريات الاقتصادية الكثير من الأمور التي تجري على أرض الواقع في وقتنا الحالي.

يتم طرح أغلب النظريات الاقتصادية من خلال مجموعة أرقام ومنحنيات، لا يكون لدى الجميع القدرة على فهم واستيعاب هذه النظريات. سنحاول من خلال هذا المقال شرح وتبسيط أهم خمس نظريات في عالم الاقتصاد. والتي كان لها تأثير كبير في المجتمعات العالمية، حتى أنها حازت على جائزة “نوبل”. إن جائزة بنك السويد في العلوم الاقتصادية يتم منحها تكريما لألفرد نوبل، وتسمى جائزة نوبل في العلوم الاقتصادية. وتمنح هذه الجائزة لأصحاب الأفكار التي يكون لها تأثير على الحياة اليومية في المجتمعات المختلفة. فقد شهد العالم الكثير من الأزمات الاقتصادية والمالية، ولكن ساهمت بعض النظريات الاقتصادية في استدراك الوضع. وحتى أن بعض النظريات قد ساهمت في إنقاذ العالم في كثيرٍ من الأحيان. وذلك من خلال تجنيبه التعرض لأزمات جديدة، أو دعم فئة مجتمعية معينة مثل طبقة الفقراء.

نظرية الاختيار العام من أهم النظريات في عالم الاقتصاد

اعتمدت هذه النظرية على دراسة الضرائب والإنفاق العام، ويعود ظهورها إلى خمسينيات القرن السابق. ولكن ذاع صيتها في عام 1986 عندما حصل مؤسسها جيمس بوكانان على جائزة نوبل في علوم الاقتصاد. اعتمدت هذه النظرية على مبادئ علم الاقتصاد من خلال دراسة تحليلية لسلوك الناس عند دخولهم الأسواق بهدف الشراء. وعلى الرغم من فرضية الاقتصاديين أن أغلب الناس يعتمدون في سلوكهم في الأسواق على أساس الاهتمام بمصلحة الآخرين. إلا أن الدراسة أوضحت أن سلوك الناس في السوق يكون لخدمة مصالحهم الشخصية فقط. وذلك سواء كانوا من أرباب الأعمال أو من المستهلكين أيضا. كما تفترض نظرية الاختيار العام أن تحليل سلوك الناس في مختلف الأسواق، سواء السوق السياسية أو سوق العمل العام، يتبع نفس المنحنى. فالناس سواء كانوا من العاملين في السياسة أو من الناخبين أو حتى ممن يعملون في مراكز حكومية ومراكز ضغط، فإنهم يدّعون أنهم يعملون خدمةً للآخرين، لكن يتمثل طموحهم الفعلي في تحقيق مصالحهم الشخصية. وفق جيمس بوكانان، فإن هذه النظرية “تزيل الأفكار الرومانسية والأوهام المتعلقة بتصرفات الحكومات، من خلال أفكار تعزز الكثير من الشك فيها”.

ففي الماضي اقترح الاقتصاديون أن أفضل طريقة لكبح الاحتكار، هو ضرورة تدخل الحكومة لضبط السوق. لكن الاقتصاديون الذين يتبنون نظرية الاختيار العام يرتأون أن هذا التدخل سيقود إلى فشل حكومي. ولديهم الأدلة التي تبرهن على أن التدخل الحكومي كان أهم الأسباب في عدم الوصول إلى نتائج إيجابية تساعد في كبح الاحتكار.

نظرية إدارة الموارد المشتركة أو المشاع من أهم نظريات عالم الاقتصاد

نالت أستاذة العلوم السياسية في جامعة إنديانا إلينور أوستروم، في عام 2009، جائزة نوبل للعلوم الاقتصادية. وذلك من خلال تقديمها لنظرية إدارة الموارد المشتركة، فأصبحت أول امرأة تفوز بهذه الجائزة.

واهتمت أبحاث أوستورم بدراسة قيام عامة الناس بإدارة الملكية الجماعية للموارد الطبيعية المشاعة، مثل المراعي ومزارع الأسماك والغابات، وذلك من دون وجود سلطة حاكمة. وبينت أبحاثها أن قيام هؤلاء الأفراد بإدارة الموارد الاقتصادية الطبيعية، بدلاً من قيام الحكومات بإدارتها، أو إخضاعها للملكية الفردية، سيؤدي إلى استدامة هذه الموارد بيئيًا واقتصاديًا. وعرضت أوستورم ثمانية مبادئ من أجل إدارة المشاع هي:

  • إيضاح حدود المجموعة بشكل جيد.
  • وضع القواعد التي تحكم السلع المشتركة، بما يتطابق مع الاحتياجات والظروف المحلية.
  • ضمان قدرة المتأثرين بهذه القواعد على المشاركة في تغيير هذه القواعد.
  • التأكد من احترام السلطات الخارجية لحقوق أفراد المجتمع المحلي في تحديد القواعد الخاصة بهم.
  • استخدام نظام يقوم من خلاله أفراد المجتمع بمراقبة سلوك الأعضاء.
  • تطبيق العقوبات المتدرجة لكل من يخالف القواعد.
  • إيجاد وسائل بتكلفة منخفضة لتسوية النزاعات.
  • بناء مستويات من المسؤولية من أجل إدارة الموارد المشتركة.

نظرية الاقتصاد السلوكي من أهم النظريات في عالم الاقتصاد

نال عالم النفس دانيال كانمان جائزة نوبل في عام 2002، وذلك بعد تقديمه لمجموعة نظريات متكاملة طبقت الأبحاث النفسية في العلوم الاقتصادية. وركز في دراسته على كل يما يتعلق بطريقة الناس باتخاذ القرارات في ظل ظروف عدم يقينهم. وقد بينت دراسات كانمان، أن الناس في كثير من الأحيان، يتخذون قرارات تكون في الواقع ضد مصلحتهم الذاتية. أو قد لا يتصرفون وفقًا لمصلحتهم الشخصية، وذلك بسبب تأثير التحيزات العاطفية والاجتماعية والمعرفية على السلوك البشري. حيث يتخذ الكثير من الناس قراراتهم دون الأخذ بعين الاعتبار أي عوامل اقتصادية، وتكون العاطفة أو عدم العقلانية هي ما تحركهم.

نظرية تفاوت المعلومات من النظريات المهمة في عالم الاقتصاد

في عام 2001، فاز جورج أكيرلوف، أ. مايكل سبنس، وجوزيف إي ستيغليتز بجائزة نوبل نتيجة تحليلاتهم للأسواق التي تملك معلومات متفاوتة أو غير متماثلة. وقد بينوا من خلال تحليلاتهم أن النماذج الاقتصادية التي تعتمد على امتلاك الجميع لمعلومات متشابهة، تكون مضللة في كثير من الأحيان، وذلك لأن الواقع غالبًا ما يكون معاكسًا لذلك، فلابد أن يمتلك أحد أطراف الصفقة معلومات أكثر من باقي الأطراف. وساهمت هذه النظرية في تحسين فهم طريقة عمل مختلف الأسواق، وضرورة العمل على زيادة الشركات لشفافيتها.

نظرية اللعبة من أهم النظريات في عالم الاقتصاد

حصل جون سي هارساني، وجون ف. ناش جونيور، وريهارد سيلتن على جائزة نوبل عام 1994، وذلك نتيجة التحليلات التي قاموا بها للألعاب الفردية. وهي الألعاب التي يعتمد فيها كل لاعب في اتخاذ قراراته على توقعاته لحركات المشاركين الآخرين، دون معرفته الفعلية لتصرفاتهم. استخدم الباحثون التحليل الرياضي للحالات التي تتضارب فيها المصالح بهدف الوصول إلى أفضل الخيارات الممكنة، وذلك من أجل اتخاذ أفضل قرار في ظل ظروف معينة، للحصول على النتائج المطلوبة. وعلى الرغم من ارتباط نظرية اللعبة بالألعاب المعروفة كلعبة الداما والبوكر، إلا أنها تخوض في مشاكل أكثر جدية تتعلق بعلوم الاقتصاد والسياسة والحاسب.

وفي النهاية يجب الانتباه إلى أن النظريات الاقتصادية لا تصلح للتطبيق في جميع الأزمات. وأن كل أزمة اقتصادية تفرض تطبيق نظرية مختلفة، وبالأخص في ظل الواقع الاقتصادي الذي نعيشه والذي يتحرك ويتغير بشكل سريع وأكثر تعقيدًا.