يعد مفهوم تبييض الأموال من المفاهيم المرتبطة بمصادر المال غير القانونية. ويندرج هذا المصطلح تحت مسميات عدة اهتم صانعو القرارات المالية والاقتصادية والسياسية بمتابعتها. فقد قسمت تلك المسميات إلى قسمين مسميات تشريعية، ومسميات فقهية. تعرف عملية تبييض الأموال بأنها تحويل الأموال المحصلً بطريقة غير قانونية إلى أموال نظيفة قابلة للتداول. كما يستخدم تبييض الأموال لإخفاء المصادر التي كسبت الأموال من خلالها. يعتبر تبييض الأموال جريمة يعاقب عليها القانون، لما لها من تأثير سلبي على الاقتصاد. لذلك توفر الدولة للمجرمين طرق للتصرف بالأموال المغسولة واستخدامها في النشاطات العامة عبر إخفاء مصادرها غير المشروعة. يرتبط غسيل الأموال عادةً بجرائم المخدرات، وتهريب الأسلحة، الرشوة، بالإضافة إلى جرائم البنوك والمؤسسات المالية. فما هو تبييض الأموال؟ سنتعرف بالتفصيل عنه خلال هذا المقال.

مراحل تبييض الأموال

تمر عملية تبييض الأموال بثلاث مراحل، في كل مرحلة يتطلب استخدام أشخاص معينين لأداء المهمة وتمويه مصدر الكسب غير المشروع. وفيما يلي مراحل التبيض الثلاث:

  1. مرحلة الإيداع: التي تعني تحويل الأموال غير المشروعة إلى شكل آخر من أشكال الثروة. حيث يمكن تحويلها إلى أشكال نقدية أو مالية كالشيكات السياحية أو الحوالات البريدية. كما يمكن استغلال شركات الصرافة لتحويل الأموال غير القانونية إلى عملات أجنبية وإيداعها في حسابات مصرفية، لتتحول فيما بعد إلى عملات رقمية إلكترونية.
  2. مرحلة التغطية: في هذه المرحلة تفصل الأموال غير الشرعية عن مصدرها الأساسي، لإضفاء غطاء شرعي عليها. حيث تعاد الأموال إلى حسابات بنكية مفتوحة باسم شركات محترمة، وبذلك يصبح المال جاهزًا للقيام بمشاريع اقتصادية. وبعد وضع الأموال غير القانونية في دائرة النظام المالي للدورة الاقتصادية، تأتي مرحلة التجميع عبر عقد صفقات مالية لإخفاء معالم مصدر المال. عادةً يكون إخفاء المصادر غير المشروعة عن طريق مجموعة من المعاملات المعقدة والغامضة. وتعتمد هذه المرحلة على إشراك القطاع المالي والمصارف مع الاستخدام الكثيف للأجهزة المصرفية الخارجية في البلدان التي تتبع سياسة متساهلة بالتنظيم المصرفي.
  3. مرحلة الدمج:  هي آخر مرحلة والتي يتم فيه إضفاء بصمة الشرعية على الأموال. حيث تدمج الأموال المغسولة في الدورة الاقتصادية والنظام المصرفي لتظهر على أنها عوائد لصفقات تجارية. وفي هذه المرحلة يصعب التمييز بين الأموال المشروعة وغير المشروعة.

تاريخ تبييض الأموال

تعتبر جريمة تبييض الأموال من الجرائم القديمة، فقد ارتكبت أول جريمة تبييض للأموال في سنة 1932، وذلك عبر مجرم بولندي كان يصدر الأموال غير القانونية إلى خارج الولايات المتحدة الأمريكية، ومن ثم يودعها في المصارف السويسرية معتمدًا على القروض الوهمية. حتى عام 1973 حيث ظهر مصطلح تبييض الأموال لأول مرة في الولايات المتحدة الأمريكية بالتزامن مع فضيحة ووترجيت المتعلقة بانتخاب الرئيس نيكسون، حيث جمعت اللجنة المشرفة على الانتخابات بعض من أموال التبرعات واستخدمتها في أعمال تبييض الأموال.
وفي روايات أخرى يقال أن جريمة تبييض الأموال ترجع لشراء أحد مجرمي المافيا الأمريكيين مغسلةً لغسيل الملابس، حيث كان يخلط بين القيمة النقدية المدفوعة من الزبائن مقابل غسل أموالهم مع أموال مكتسبة من تجارة المخدرات، وبعد ذلك يودع الأموال المغسولة والمخلوطة في المصرف. فيما يرى آخرون أن تبييض الأموال ظهر في سبعينات القرن العشرين، حين علمت شرطة مكافحة المخدرات أن التجار البائعين للمخدرات، يمتلكون الكثير من القطع النقدية ، والتي يحرصون على غسلها بالبخار أو الكيماويات، لمسح ملوثات تجارة المخدرات منها قبل إيداعها في المصارف.

أدوات تبييض الأموال

تختلف طرق تبييض الأموال فالبعض يستخدم الطرق التقليدية البسيطة، والبعض الآخر يستعين بالتكنولوجية لتبييض أموالهم، ومن أبرز الطرق لتبييض الأموال:

  • الأعمال غير المشروعة كتجارة المخدرات وتهريب الأسلحة، والأدوية غير مرخصة من قبل وزارة الصحة.
  • الاستثمارات العقارية وذلك بشراء عقارات وتأجيرها لأفراد أو مؤسسات وبذلك يتم استبدال الأموال غير الشرعية بمشاريع مشروعة.
  • منح القروض للمحتاجين وفرض فائدة على المقترضين.
  • الاستعانة بالمواقع الإلكترونية لتحويل الأموال غير القانونية إلى استثمارات.

الآثار السلبية لتبييض الأموال

 الآثار الاقتصادية لتبييض الأموال

  • التّضخم المالي وارتفاع أسعار المواد بشكل عام.
  • خلق ثغرة في عملية توزيع الثروة والموارد.
  • فقدان استقرار البورصات والتهديد بانهيارها.
  • استغلال الموارد في استثمارات غير ناجعة ولا تسهم في التّنمية.
  • فقدان الاستقرار المالي والمصرفي.
  • إعاقة السلطات عن تنفيذ سياستها الاقتصادية بكفاءة.
  • فقدان استقرار الصرف الأجنبي.

الآثار السياسية

  • تفشي الفساد السياسي والإداري.
  • استلام المجرمون مناصب سياسية في الدولة.
  • الإساءة لسمعة الدولة لدى المؤسسات المالية الدولية.
  • استعمال هذه الأموال المغسولة في عمليات الإرهاب.

الآثار الاجتماعية

  • خلق تفاوت كبير بين طبقات المجتمع.
  • تفشي الرشوة.
  • تفاقم مشكلة البطالة بسبب عدم وجود فرص عمل حقيقية.
  • وصول مبيضو الأموال إلى أعلى الهرم الاجتماعي.
  • انتشار الفساد في الدوائر الحكومية.

أسباب تفشي ظاهرة غسل الأموال

  •   العولمة والانفتاح الاقتصادي بين الدول.
  • التطور التكنولوجي السريع بعض الدول لا تهتم بوضع قوانين للحد من عملية تبييض الأموال، مما أدى إلى وجود ثغرات بين الدول في إنجاح عملية القضاء على غسيل الأموال.
  • إخفاء البنوك المعلومات حول حسابات عملائها، وعدم الاهتمام بمصدر هذه الأموال بل بجمع المزيد منها لدعم استثماراتها.
  • التنافس بين البنوك لجذب العملاء وأموالهم، لزيادة نسبة الربح.

أخيرًا، يعتبر تبييض الأموال جريمة خطيرة يعاقب عليها القانون، ومازالت تشكل مشكلة كبيرة في العالم، حيث يوجد لها مختصون لقيادة مراحلها. الأمر الذي يتطلب جهودًا كبيرة للحد منها خاصةً في البلدان النامية.