ما هي معلوماتك عن الكهرباء الساكنة؟ هل شعرت سابقًا بشحنة كهربائية عند ملامستك لشخص ما؟ هل يسعد أطفالك بتجربة جذب البالون للأوراق الصغيرة بعد فركه بشعرهم أو أي جسم آخر؟ إنها هذه الشحنة الكهربائية المتولدة تدعى بالكهرباء الساكنة، وهو موضوع مقالنا لهذا اليوم. لنتحدث بداية عن كيفية توليد هذه الشحنة الكهربائية. عادة تبدأ العملية بفرك جسمين معًا. نتيجة لذلك سيتخلى جسم واحد عن الإلكترونات ويصبح أكثر إيجابية، بينما يصبح الجسم الآخر أكثر سلبية، نظرًا لانتقال الإلكترونات إليها. أما السبب المتوقع حول تبادل الشحنات هذا، يعود إلى الارتباط الضعيف للإلكترونات بإحدى الأجسام، بينما تضم الأخرى العديد من الأماكن الشاغرة لاستقبال هذه الإلكترونات في غلافها الخارجي. عندها ستتمكن
الإلكترونات من الانتقال من مادة إلى أخرى، وبالتالي حدوث عدم توازن كهربائي بين المادتين. لذا عندما نتحدث عن الكهرباء الساكنة، فإننا نعني عمومًا عدم التوازن بين الشحنات السالبة والموجبة بين الأشياء.

أسباب الكهرباء الساكنة

تتكون المواد من ذرات تكون متعادلة كهربائيًا عادةً، لأنها تحتوي على أعداد متساوية من الشحنات الموجبة (بروتونات في نواتها) وشحنات سالبة (إلكترونات في الأغلفة التي تحيط بالنواة). تتطلب هذه الظاهرة حدوث عدم توازن بين الشحنات الموجبة والسالبة. حيث تنتج هذه الظاهرة عند تلامس مادتين مثلًا، فتنتقل الإلكترونات من واحدة إلى أخرى، مما يترك شحنة موجبة زائدة على إحداها وشحنة سالبة متساوية على الأخرى. بعد ذلك نفصل المادتين عن بعضهما، فنلاحظ أنهما ستحتفظان بهذا الخلل الكهربائي في الشحنات لبعض الوقت. سنذكر بعض الأسباب المحرضة لحدوثها:

  • الكهرباء الساكنة الناتجة عن التلامس: يمكن تبادل الإلكترونات بين المواد عند اتصالها. حيث تميل المواد ذات الإلكترونات ضعيفة الارتباط إلى فقدانها. بينما تميل المواد ذات الأغلفة الخارجية قليلة الملء إلى اكتسابها. تعرف هذه العملية بتأثير الاحتكاك الكهربائي، وينتج عنها (تصبح إحدى المواد موجبة الشحنة والأخرى سالبة الشحنة). كما يعتبر تأثير الاحتكاك هو السبب الرئيسي للكهرباء الساكنة، كما نلاحظ وجوده في حياتنا اليومية، وفي ظواهر العلوم الشائعة كتلك التي تتضمن فرك مواد مختلفة الشحنة معًا. على سبيل المثال، فرك البالون على الشعر يجعله يكتسب شحنة سالبة، وعند الاقتراب من الحائط، سينجذب البالون المشحون إلى جزيئات موجبة الشحنة في الجدار. بالتالي سيتثبت البالون على الحائط لفترة مؤقتة.
  • الكهرباء الساكنة الناجمة عن الضغط: قد يولد الضغط الميكانيكي المطبق على أنواع معينة من البلورات وجزيئات السيراميك إلى اختلال في توازن الشحنات الكهربائية.
  • الكهرباء الساكنة الناتجة عن الحرارة: يمكن أن يحرض التسخين فصل الشحنة في ذرات أو جزيئات مواد معينة. كما ترتبط الخصائص الذرية أو الجزيئية باستجابة المواد للحرارة والضغط ارتباطًا وثيقًا.
  • الكهرباء الساكنة الناجمة عن الشحن: عند تقريب أي جسم مشحون من جسم آخر محايد كهربائيًا، سيسبب ذلك فصل الشحنات داخل الجسم المحايد. حيث تبتعد الشحنات من نفس القطبية وتنجذب أو تقترب الشحنات ذو القطبية المعاكسة لها. مع العلم  يكون التأثير أكثر وضوحًا عندما يكون الجسم المحايد موصولًا بمصدر كهربائي، لأن الشحنات تكون أكثر حرية في الحركة.

تاريخ اكتشاف الكهرباء الساكنة

اكتشفت اليونانيون قديمًا ظاهرة كهربية تدعي (الانجذاب الكهربائي)، وذلك الاكتشاف كان في فترة قبل الميلاد (حوالي 600 سنة قبل الميلاد تقريبًا). حيث لاحظ الفلاسفة في ذلك الوقت وخاصة طاليس الملطي (وهو فيلسوف وعالم فلك يوناني، وهو أحد الحكماء السبعة في اليونان)، أنه عندما نحك قطعة كهرمان بقطعة قماشية، ستتولد لديها قوة جذب للريش والخيوط الصوفية والقطنية.

بعد ذلك ظهر العالم الإنجليزي وليم جلبرت، والذي بدأ يتقصى بعض الظواهر الكهربائية. حيث اكتشف وجود مواد أخرى تمتلك خصائص متعلقة بالجذب.

في عام 1733 م، أثبت العالم الفرنسي شارل أن عملية الحك لا ينتج عنها فقط قوة تجاذب بين الأجسام، بل ينتج قوة تنافر أيضًا. وذلك يعود لنوع الأجسام الداخلة في هذه العملية وشحنتها الكهربائية.

في القرن الثامن عشر، سعى بنجامين فرانكلين لإيضاح فكرة أن الشحنات الكهربائية يمكن أن تكون موجبة أو سالبة. كما أثبت أن البرق هو أكثر الأمثلة الشائعة والتي توضح فكرة الكهرباء الساكنة.

تطبيقات عملية للكهرباء الساكنة في حياتنا

يمكن استخدام الكهرباء الساكنة في الكثير من مجالات الحياة المختلفة. حيث نجد لها تطبيقًا عمليًا في المؤسسات والمكاتب والمعامل والمصانع وغيرها الكثير. لذا سنذكر العديد من تطبيقاتها المتنوعة فيما يلي:

  • تجربة البالون المطاطي: وهي من أشهر التطبيقات العملية للكهرباء الساكنة. حيث نفرك البالون بقطعة صوف أو من الممكن فركه بالشعر مثلًا. نتيجة لذلك ستنتقل بعض الإلكترونات من قطعة الصوف المشحونة إلى البالون، نظرًا لفرق واختلاف الشحنة بين الجسمين. مما سيجعل البالون مشحونًا بشحنة سلبية، أما قطعة الصوف فتصبح موجبة الشحنة. عند ذلك سيصبح البالون قادرًا على جذب أي جسم يحمل شحنة موجبة أو يكون قادرًا على الارتباط بالحائط والثبات عليه.
  • ماكينة التصوير: يعتمد عملها بشكل أساسي على فكرة انعكاس الأشعة الضوئية على الورقة التي نريد تصويرها. حيث أن الحبر يحمل شحنة سالبة، بينما الورقة مشحونة بالشحنة الموجبة. هذا يفسر حدوث انجذاب كهربائي للحبر سلبي الشحنة على الورقة إيجابية الشحنة داخل الجهاز. سينتج عن ذلك صورة للورقة المطبوعة وهي طبق الأصل عن الأساسية.
  • المرسبات الكهروستاتيكية: تستخدم هذه المركبات عادة من أجل تنقية الهواء والجو من الملوثات على اختلاف أشكالها وأنواعها، مثل (الغبار، والدخان والبكتيريا) وغير ذلك من الأجسام الضارة بالبيئة والإنسان أيضًا. حيث تقوم الكهرباء الساكنة بفلترة الهواء من الملوثات عن طريق شحنات تجعلها تنجذب نحو الداخل وإبقاء الهواء نقي خالي من أي نوع لها.
  • مداخن المصانع: تلجأ المصانع عادة إلى شحن جزيئات الدخان الناتج عنها أو الملوثات أحيانًا بشحنة كهربائية. حيث أن هدفها الأساسي من هذا الإجراء هو التخلص من ملوثاتها قبل وصولها إلى الغلاف الجوي والتأثير عليه بشكل سلبي يؤذي كوكبنا الجميل. يفسر ذلك عن طريق انجذاب الجزيئات الملوثة والمشحونة إلى أقطاب الشحنة المعاكسة لها في الجو، مما يؤدي إلى بقاء الملوثات عالقة في الهواء.
  • طلاء السيارات (الدهان بالرش الإلكتروستاتيكي): تشحن جزيئات الطلاء أولًا بشحنة كهربائية معينة، ثم نطلق الطلاء على أسطح السيارة المعدنية. في هذه الحالة ستنجذب جزيئات الطلاء إلى سطح السيارة ذي الشحنة المعاكسة له، ويتثبت عليه بشكل مثالي. تزيد هذه الطريقة من كمية وحجم الدهان الموجه إلى المناطق المراد تطبيق الدهان عليها، فضلًا عن فقدان بعضها في أرجاء المكان.
  • البرق: ينشأ وميض البرق عن نشوب شرارة كهربائية ناتجة عن تصادم سحابتين ببعضهما أو ضمن السحابة الواحدة نفسها. حيث أن الجسيمات المائية أو الجليدية تشحن الجزء العلوي من السحابة بالشحنة الموجبة والجزء السفلي بالشحنة السالبة. ينتج عن اختلاف الشحنات حدوث تفريغ كهربائي بين السحابتين أو بين السحابة والأرض مثلًا.

أسباب الإحساس بالكهرباء الساكنة

بما أن الكهرباء الساكنة تنتج عن نشوب شرارة كهربائية بين أجسام مختلفة الشحنة، وهذه الكهرباء الناتجة سنلاحظ وجودها في حياتنا وسنشعر بها أيضًا. تختلف نسبة الإحساس بين الأشخاص، نظرًا لوجود عدة أسباب، ومنها:

  • تزود الأجهزة الذكية أجسامنا بشحنات كهربائية زائدة عند الاستخدام المديد لها.
  • العيش بمكان مشحون كهربائيًا (أي بمعنى آخر المكان مليء بالشحنات الكهربائية عالية المستوى). على سبيل المثال، وجود الأبراج المتعلقة بالكهرباء والشبكة، بالإضافة إلى كثرة الهواتف الذكية والأجهزة الكهربائية.
  • تزداد نسبة حدوث هذه الظاهرة في الأيام الجافة. حيث أن الهواء الجاف يمنع انتقال الإلكترونات بسهولة عبر الجو. لذا فهو يتراكم في الأجسام بشكل عام، فتصبح مشحونة بنسبة عالية من الشحنات الكهربائية. أي عند اقتراب الأجسام المشحونة من بعضها ستتولد قوة كهربائية (الكهرباء الساكنة) بينها.
  • تزيد بعض المواد والأنسجة والأقمشة من نسبة الإحساس بالكهرباء عند لمس الأجسام المشحونة. نلاحظ وجود هذه الظاهرة بكثرة عند ارتداء الملابس الصوفية في فصل الشتاء.

طرق التخلص من الكهرباء الساكنة المزعجة لنا

بالرغم من أهمية الكهرباء الساكنة في حياتنا ودخولها في مختلف مجالات الحياة، لكنها قد تكون مزعجة لبعض الأشخاص أحيانًا. بالإضافة إلى المخاطر والأضرار التي يمكن أن تسببها. لذا سنعرض بعض النصائح التي تساعدك في التخفيف منها:

  • في فصل الشتاء، حاول التخفيف من ارتداء الملابس الصوفية مثلًا أو أي نوع من الأقمشة التي تخزن شحنات كهربائية. كيث يمكنك التركيز في لباسك على الأقمشة القطنية ذي الشحنات المنخفضة.
  • ننصح الفيتات باستخدام الغسولات والسيرومات المتعلقة بالبشرة باستمرار، وذلك للحفاظ على ترطيبها وتجنب جفافها.
  • التوجه إلى اختيار الأحذية الجلدية (المصنوعة من الجلد الطبيعي) والتقليل من استخدام الأنواع البلاستيكية، فذلك يمنع تراكم الشحنات في الجسم.
  • للدبابيس المعدنية فائدة من نوع خاص، حيث أن وضعها في الملابس يقلل من كمية الكهرباء الساكنة، كما يمنع حدوث التصادم الناتج عن اختلاف الشحنات.
  • محاولة ترطيب الجو باستمرار للتخفيف من الجفاف، وذلك باستخدام مرطبات خاصة.

وأخيرًا، يمكن القول إن الكهرباء الساكنة ظاهرة علمية طبيعية، لها فوائد كثيرة وتدخل في تصنيع الكثير من الأجهزة والأدوات التي تفيدنا في حياتنا اليومية. لكن لها مخاطر عديدة في ذات الوقت، لذا يجب التخفيف من شدتها والتخلص منها في حال كانت مزعجة.