أنزل الله تعالى القرآن الكريم ككتابٍ جامعٍ للعديد من العبر والحكم وقواعد اللغة العربية الفصحى؛ كوسيلة لتعليم الناس وحصولهم على الفائدة العظيمة من التوجيهات المنزلة فيه والقصص المذكورة التي حدثت في أزمانٍ غابرةٍ، فيبدو القرآن الكريم وكأنه ارتحل على مر جميع العصور بدءًا بأقدم عصرٍ ترافق مع بدء الخليقة وانتهاءً بالوقت المُقبل على البشرية والكون الذي ستتوج نهايته بيوم القيامة، ولكن إن الذي خلق كل شيء بما فيها العصور كان نفسه من أنزل آيات القرآن الكريم فلا عجب من إعجاز هذا الكتاب إذًا، ويقول الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب﴾؛ حيثُ أن الإنسان المؤمن سليم العقل والسريرة هو القادر على فهم الآيات القرآنية والاستفادة منها، وستجد في مقالنا هذا أجمل القصص القرآنية قصة وعبرة وفوائدها.

فوائد قصص القرآن

يُخبر القرآن عن أحوال الأمم السابقة والنبوءات الماضية والحوادث الواقعية وبعض الخفايا المستقبلية، وتشمل قصصه بشكل عام: قصص الأنبياء قصص تتعلق بأحداث قديمة قدم الزمان، وأشخاص لم تُثبت نبوَّتهم مثل قابيل وهابيل، بالإضافة إلى التركيز على قصص معينة حدثت في زمن الرسول محمد خاتم الأنبياء والمرسلين صلوات الله عليهم أجمعين، وذلك لتحصيل الفوائد التالية:

  • إعطاء العبرة والحكمة لجميع الناس؛ لضمان عدم تكرار الأخطاء السابقة وإظهار الطريقة السليمة لعيش الدنيا وكسب الآخرة الحسنة.
  • بيان صدق النبي محمد ﷺ في دعوته لعبادة الله الواحد الأحد وتثبيت قلبه وقلب المؤمنين على دين الله وتقوية الثقة بنصره.
  • إظهار الدلائل على وجود الله تعالى وقدرته وبيان صدق الأنبياء والرسل السابقين وإحياء ذكراهم.
  • تربية وتهذيب النفس البشرية والتعرف على مفاهيم القرآن الكريم ومبادئه وقيمه وأهدافه وتشريعاته من خلال التعرف على أجمل القصص القرآنية قصة وعبرة والتوصل لأهدافها.

قصة المحبة والتضحية في سبيل الله

لا يوجد أروع من ذلك العشق لله تعالى الذي يدفع صاحبه لتحمل العذاب في سبيل الله تعالى؛ فيذكر القرآن الكريم أن الله تعالى أرسل نبيًّا حبشيًا ليهدي قومه، ولكن معظمهم قد قابلوه بالرفض والقتال ثم أسروه مع من تبقى من أنصاره، وقالوا لهم أن يرموا أنفسهم في نارٍ مستعرةٍ إذا أصرّوا على البقاء على دين الله، فأقبل المؤمنون على ذلك غير مترددين وعندما تقدّمت إحدى نسائهم حاملةً طفلها الرضيع لترمي نفسها مع ابنها ترددت وخافت ورقَّ قلبها على ابنها، وإذ برضيعها يتكلم في مهده قائلًا: “لا تهابي وارمني ونفسك في النار، فإن هذا واللهِ في الله قليل”؛ فتجسد عمل هؤلاء الناس وخاصةً هذه المرأة مع طفلها في أجمل صور التضحية في سبيل الله، وتجلت العبرة في تفضيل الموت والإيمان بالله على الحياة والكفر وتأكيد أن المؤمنين والمتشبثين بدين الله لا يُمكن أن يكونوا من الخاسرين بل ستُفتح أمامهم أبواب الجنة وسيحظون بمسك الختام.

قصة النبي موسى عليه السلام

يذكر القرآن أن نبوءةً قد بلغت فرعون وفحواها أنه سيولد طفلٌ لبني إسرائيل يحمل اسم موسى بن عمران وسيجلب معه الهلاك والدمار للفرعون الكافر بالله، لذلك عمدَ فرعون إلى فصل الرجال عن نسائهنّ ووضع امرأةٍ قبطيةٍ تراقب كل أنثى حبلى منهن، وشاءت إرادة الله أن لا يظهر حمل أم النبي موسى إلا حين تأتي ساعة الولادة، فحملته وبكت وحزنت حتى رقَّ قلب المرأة القبطية التي أُلقيت محبة النبي في قلبها؛ مما جعلها تأخذ الطفل ليتربى في كنف فرعون نفسه لتنتهي هذه الحكاية بغلبة الله على الكفار وجلب موسى الدمار للفرعون الشرير، وتتعدد العبر من هذه القصة القرآنية الجميلة، ولعل أهمها أن الله يعطف بعباده المؤمنين الصابرين الواثقين بحكمه وعدله مهما طالت فترة عذابهم، وأن الدمار والهلاك هو مصير كل إنسانٍ جبارٍ متكبرٍ عنيد كفرعون.

قصة ابنة النبي شُعيب عليه السلام

يقول الله تعالى في كتابه الحكيم في سورة القصص: ﴿فجاءته إحداهما تمشي على استحياء﴾؛ وقد أُنزلت هذه الآية الكريمة لتحكي قصة ابنة النبي شعيب عليه السلام التي ضربت مثلًا في الحياء والوقار والتهذيب والعفة والطهارة والامتناع عن التبذّل والإغواء وامتزاج الحياء بالدقة والوضوح والاقتصاد في الحديث والثقة؛ وتُعطي عبرةً فحواها أن الفتاة القويمة تستحي بفطرتها عند لقاء الرجال أو الحديث معهم، حيثُ اختصرت في حديثها عن دعوة أبيها بقولٍ يذكره القرآن الكريم: ﴿إن أبي يدعوكَ ليجزيك أجر ما سقيت لنا﴾.

قصة النبي يوسف عليه السلام

وتعتبر من أجمل القصص القرآنية قصة وعبرة، فهي تُعلِّم الشباب العفة والطهارة وكبح الشهوات والتمسك بالإيمان بالله وسمو النفس عن الملذات والنزوات، عندما تنزّه النبي يوسف عن خيانة ثقة ربه والشخص الذي تربى في كنفه ورفض الخضوع لإغواء امرأة العزيز، بالإضافة إلى ما تُعلمه القصة من الصبر والثبات؛ فقد صبر النبي يعقوب والنبي يوسف عندما شاءت إرادة الله تعالى أن تفرق بينهما، كما صبر النبي يوسف وتحمل مشاق السجن والتعذيب ولم يتزعزع إيمانه، ولا يُمكن نسيان تجلي أروع صور التسامح عندما صفحَ النبي يوسف عن إخوته الذين باعوه ليُصبح عبدًا عبريًا في مصر وأظهروا له الشر والحسد.

قصة النبي إسماعيل عليه السلام

يُذكر في القصص القرآنية أن النبي إسماعيل عليه السلام قد امتثل لأوامر الله تعالى التي تمثلت بجعل أبيه النبي إبراهيم عليه السلام يُضحي به، وذكر قوله عليه السلام في سورة الصافات: ﴿يا أبتِ افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين﴾، ولكن لُطف الله وحلمه حال دون ذلك؛ فمنَع السكين من ذبح النبي إسماعيل وافتداهُ بذبحٍ عظيم ليقوم إبراهيم بالتضحية به بدل ابنه إسماعيل، وتمثّل هذا الحدث بقول الله تعالى في نفس السورة: ﴿وفديناه بذبحٍ عظيم﴾، وتكمن العبرة في وجوب طاعة الله تعالى وبرّ الوالدين.

قصة السيدة مريم العذراء وابنها النبي عيسى عليهما السلام

يذكر القرآن الكريم قصص العديد من النساء اللاتي تحمّلن نار البلاء والعذاب في سبيل رفع راية الحق والحفاظ على إيمانهن وعبادتهن لله الواحد؛ وتعتبر مريم إحدى أولئك النساء، فقد تجرعت الألم والعذاب في سبيل امتثالها لأوامر الله تعالى والرضا بقضائه وقدره وتحملت لوم الناس وثرثرتهم وشكوكهم حول طهارتها؛ ويقول القرآن الكريم أن الله تعالى قد خلق النبي عيسى في بطن مريم وهي عفيفةٌ وعذراء غير متزوجة، وأمرها ألا تتحدث إلى أحد من الناس مهما ازداد عتبهم وسوء حديثهم عنها، فما كان من السيدة مريم إلا أن تخضع لأمر خالقها وتتحمل آلام الحمل والولادة بالإضافة إلى كل الكلام والأحزان التي أثقلت كاهلها؛ وعندما جاء موعد ولادتها لجأت إلى جذع نخلةٍ ويذكر القرآن الكريم قولها في سورة مريم: ﴿فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة قالت يا ليتني متُّ قبل هذا وكنتُ نسيًّا منسيّا﴾ وتذكر الآية التالية القول الذي واساها: ﴿فناداها من تحتها ألّا تحزني قد جعل ربُّك تحتك سريّا﴾، فولدت النبي عيسى وحملته إلى قومها وأعطاه الله تعالى قدرة التحدّث وهو رضيع؛ فتحدّث وهو في المهد ليُقّدم أعظم حجةٍ على طهارة وعفة وإيمان والدته.

إحدى قصص النبي محمد ﷺ ودعوته لدين الإسلام

تُعد قصص النبي محمد من وأجمل القصص القرآنية قصة وعبرة، فقد تعددت فيها الأحداث وكثرت فيها العبر والفوائد، واستقرّت التشريعات الإلهية في رسالة النبي محمد ﷺ خاتم الأنبياء والمرسلين، وتتالت الحجج والبراهين في عصر الإسلام من خلال العديد من المواقف والأحداث والقصص، وسأذكر لك إحداها؛ حيث بدأت القصة عندما فتح رسول الله محمد ﷺ مكة المكرمة وعفا عن جميع من عاداه ما عدا أربعةً، وأصدر الأوامر بقتلهم أينما كانوا لأنهم ارتكبوا أسوأ الجنايات والجرائم بحق المسلمين، وكان أحدهم عكرمة بن أبي جهل الذي هرب من شدة خوفه من مكة إلى ساحل البحر الأحمر، وصعد على متن سفينةٍ وأبحر مع مجموعة من الناس، وارتفعت الأمواج الشديدة خلال رحلتهم، وأحاط بهم طوفانٌ من الماء من كل الاتجاهات؛ مما تسبب بتمايل السفينة واقترابها من الغرق، فقرروا رمي الأصنام والتوجه إلى التوسل لله عز وجل، وعندها قال عكرمة: “إن ما لم يستطع أن يُنجينا من هذا الطوفان في البحر، فلن يستطيع أن يُنجينا أيضًا في البر (وهنا يقصد الأصنام)”، ثم عاهد الله إذا أنجاه من هذه المعضلة فسيذهب إلى محمد ﷺ ويضع يده بيده ويُسلم؛ لأنه يعلم أن محمد رجلٌ متسامحٌ وكريم، فهدأ الطوفان بعد مدةٍ ونجا الجميع وأسلم عكرمة بعد هذه الحادثة، ويقول الله تعالى بهذا الشأن: ﴿وإذا غشيهم موجٌ كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين فلمّا نجّاهم إلى البر فمنهم مُقتصدٌ﴾.

ولا تقتصر أجمل القصص القرآنية قصة وعبرة على ما ذُكر سابقًا، فيُخبرنا القرآن الكريم عن قصة النبي يونس ونوح وموسى والعديد من الحوادث التي مرّت في عصر الإسلام وغيرها الكثير، وما علينا إلا أن نتفكر بما تحمله كلمات القرآن المُنزلة من قدرةٍ إلهيةٍ على الهداية وراحة النفس والتقرب من الله تعالى.