جعلَ الله سبحانهُ وتعالى الإسلامَ قائمًا على أسسٍ وأركانِ متينة وعظيمة، ودساتير قويّة تعزز صلة العبد المسلم بربّهِ. لذلك يعدّ الصّيام واحدًا من هذهِ الأسس، الّتي تقرّب المسلم الحق من الله جلّ جلاله. وقد فرِضَ على المسلمين والمسلمات صيام شهر رمضان المُبارك. وأكدَّ الله سبحانهُ هذا الفرض في قوله بالقرآنِ العظيم:
بسم الله الرّحمن الرّحيم (يَا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا كتِبَ عَلَيْكُم الصِّيَامُ كَما كتِبَ عَلَى الَّذينَ مِنْ قَبْلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُون).

كما أمرَ الله تعالى كلّ مسلم عاقل بالغ راشد مُستطع أن يقوم بفرض الصّيام. ولكن عذرَ الله سبحانه من لديه عارض تجاه الصّيام، وقد سمّى علماء الدّين هذهِ العوارض بالأعذار المُبيحة للفِطر، ومنها المرض والسّفر والحمل والرّضاعة وكذلك المرأة في فترة حيضها. وفيما يأتي شروط وأحكام إفطار المرأة الحامل، والأعذار، والقضاء وفدية الإفطار.

شرط إفطار الحامل في شهر رمضان

يُسمح للمرأة الحامل أن تفطر ولا تصوم في رمضان، في حال بيان هذان الشّرطان، وهما كالأتي:

  • الشّرط الأوّل:أن تخاف وتقلق على نفسها، أو على جنينها من الموت والهلاك، أو الضّرر المحتوم، أو الإصابة بالمرض وزيادته.
  • الشّرط الثّاني: أن يكون خوف المرأة الحامل مُرتِكز على قول موثوق من طبيب مُسلم، أو من امرأة أخرى خاضت نفس تجربتها، أو أن يكون خوفها مبني على تجربة سابقة مرّت بها.

ولكن إن كانت المرأة الحامل لا تعاني من مرض أو خوف أو قلق تجاه ابنها ونفسها، وكان جسدها قويّ البُنية قادر على تحمّل الجوع والعطش وتوابع الصّوم، يلزم عليها صيام شهر رمضان الكريم من بدايتهِ لنهايتهِ.

استدلالات جواز إفطار المرأة الحامل

استدّل علماء الدّين والفقهاء على شروط إفطار الحامل من الأحاديث المنقولة عن الرّسول عليه ألف صلاةٍ وسلام من الصّحابة رضيَ الله تعالى عنهم أجمعين.
كما في:

  • عن أنس بن مالك رضيَ الله عنهُ: ( أنّهُ أتى النّبي صلى الله عليه وسلّم بالمدينة وهوَ يتغدّى، فقالَ لهُ النّبي صلى الله عليهِ وسلّم: هلّمَ إلى الغداء، فقالَ: إنّي صائمٌ، فقالَ لهُ النّبيُّ: إنَّ الله عزَّ وجلّ وضعَ للمسافرِ الصّومَ، وشطرَ الصّلاةَ، وعن الحبلى والمُرضع).
  • كما وقاسَ العلماء الحامل على المُسافر والمريض، فكما يفطران شهر رمضان، ويقضيان ما أفطروه بالفدية والقضاء، كذلك يُطبّق على الحامل.

ما يتوضّع على إفطار المرأة الحامل في شهر رمضان

يوجد عدّة أحكام للمرأة الحامل والمُفطرة في رمضان، وذلك بحسب سبب إفطارها، ويترتّب على ذلك حالتان، وهما كالأتي:

  • الحالة الأولى: إن خشيت المرأة الحامل على نفسها فقط، أو خشيت على جنينها ونفسها معًا، يُسمح لها بالإفطار، ويجب عليها أن تقوم بالقضاء، وذلك بحسب ما اتّفقَ عليه فقهاء الدّين.
    كقول أنس بن مالك رضيَ الله تعالى عنهُ، عن الرّسول صلّى الله عليهِ وسلّم قالَ: (إنَّ الله عزَّ وجلَّ وضعَ عن المسافرِ شطرَ الصّلاةِ، وعن المُسافر والحاملِ والمُرضع الصّومَ أو الصّيام).
  • الحالة الثّانية: إن خشيت المرأة الحامل أو المرأة المُرضعة على الابن فقط، وقد اختلفَ العلماء على أحكام هذهِ الحالة، ووضعوها في قولين، جاءَ في مضمونهما:
    القول الأوّل: يُسمح للمرأة الحامل أو المرُضع الإفطار، نتيجة الخوف على الولد، ويلزم عليها القيام بالقضاء دون الإطعام، وهذا حسب مذهب الحنفيّة. القول الثّاني: يُسمح بإفطار الحامل أو المُرضع، إن خافتا وخشيتا على ابنيهما فقط، ولم تخشيا على نفسيهما، ويلزم عليهما القيام بالقضاء والفدية معًا.

وذلك حسب المذاهب الثّلاثة الشّافعيّة، الحنابلة، المالكيّة، وقد اعتمدَ الشّافعية على ذلك من قولهِ تعالى:
بسم الله الرّحمن الرّحيم
(وَعَلَى الَّذينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةُ طَعَامُ مِسْكِينٍ)

الفدية اللازمة على الحامل في حال إفطارها بشهر رمضان

عندَ الشّافعيّة والحنابلة: يجب على المرأة الحامل إن أفطرت رمضان من بدايتهِ لنهايتهِ، وكانَ إفطارها بسبب خوفها على ابنها فقط، أن تقوم بدفع الفدية، وهيَ إطعام مسكين مقدارَ قوتهِ، عن كلّ يوم في رمضان فطرتهُ، كما ووجبَ عليها القضاءُ أيضًا بحيث يلزم عليها صيام ما فاتها.

عندَ الحنفيّة والمالكيّة: ذهبوا إلى أنَّ الفدية لا تلزم المرأة الحامل والمُفطرة، في حال كانَ سبب إفطارها الخوف على ابنها فقط، فالجنين يكون متّصل بجسد أمّهِ كاتّصال أعضاءها بهِ، والخوف على الجنين يساوي الخوف على أعضاء جسد الأمّ، وهو قول ورأي في مذهب الشّافعيّة.

جزاء صيام المرأة والرّجل عندَ الله تعالى

جعلَ الله تعالى الصّيام خالصًا باقيًا لهُ وحدهُ، فالله سبحانهُ استأثرَ بهِ من بين جميع أعمال الإنسان.

وفي الجنّة باب لا يُدخلهُ إلّا الصّائم يُدعى الرّيان.
عن أبي هريرة رضيَ الله عنهُ، عن النّبي صلّى اللهُ عليهِ وسلّم قالَ:

[(قالَ اللهُ تعالى: كلُّ عَملِ ابنِ آدمَ لهُ إلّا الصّوم، فإنّهُ لي وأنا أُجزي بهِ)، ولخَلوفِ فمِ الصّائم أطيبُ عندَ الله من ريحِ المِسك].

الإسلامُ دينُ يسرٍ وليسَ دينُ عسر، والله تعالى رحيمٌ عليمٌ بأحوال عبادهِ، ولهذا شرّعَ إفطار رمضان في الحالات العصيبة رأفةً بخلقِه وعبادهِ.