إن وجود الأخلاق الكريمة هو شرطٌ أساسيٌّ للتعامل السليم بين البشر على اختلاف علاقاتهم، وتُعتبر من أولويات تعاليم الدين الذي كُلّف النبي محمد ﷺ بتبليغه لهداية البشرية جمعاء، فالدين الإسلامي هو دين الأخلاق وأوصى الله تعالى نبيه الكريم بالحفاظ على أخلاقه وتعليمها للناس؛ حيثُ يقولُ الله عز وجل في كتابه العزيز: ﴿وإنك لعلى خلقٍ عظيم﴾، كما يقول النبي محمد في حديثٍ شريف: “إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق”، وكان الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام من أكثر الشخصيات الإسلامية الهامة التي غرس فيها الله عز وجل أفضل الأخلاق وأرقاها ولعبت أدوارًا عظيمةً في مسيرة وحثَّت على التحلي بمكارم الأخلاق، وسأُطلعك في هذا المقال على لمحةٍ بسيطة عن هذا الشخص الجليل وعن مكارم الأخلاق وأهم أقواله عنها.

 

 

الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام

هو ابن عم رسول الله محمد ﷺ وصهره زوج ابنته فاطمة الزهراء عليها السلام، كما يُعد أحد أطهر وأهم أصحاب الرسول، وكان من أوائل الناس الذي اعتنقوا الدين الإسلامي وأول من أسلم من الصبيان، وشارك في جميع غزوات الرسول ﷺ ما عدا غزوة تبوك وحظي بثقة الرسول الكريم فكان من كتاب الوحي وأحد أهم سفرائه، كما كان له الكثير من المواقف العظيمة والإنجازات وأصبح رابع الخلفاء الراشدين وإمامًا للمسلمين وكُني بأمير المؤمنين، اشتهر بالفصاحة والحكمة والأخلاق الفاضلة، ونُسبت له الكثير من الأشعار والحكم والأقوال التي ما تزال خالدةً حتى يومنا هذا.

ما هي الأخلاق؟

إن الأخلاق هي الصفات النفسية التي يتحلى بها المرء، والتي تُحدد الشكل الأفضل للأقوال والأفعال التي تنطلق من الشخص، وتُعد القيم الأخلاقية شرطًا أساسيًّا للتعامل السليم بين أفراد المجتمع ولكسب راحة الضمير ورضا الله عز وجل، وتتجلى مكارم الأخلاق بالكرم والسخاء ونجدة الملهوف والوفاء بالعهد والصدق وحفظ الأمانة واحترام الجار والتقوى والتعقل والحلم والصبر وضبط النفس والرزانة والتواضع واحترام الآراء وحفظ كرامة الآخرين وقول الكلام الطيب الصادق وبشاشة الوجه والجدية في المواقف التي تتطلب ذلك والعفو والتسامح والإحسان وغيرها، وقد كان الإمام علي عليه السلام مثالًا للإنسان الخلوق الذي أعطى الإنسانية جمعاء دروسًا في الأخلاق والقيم الأخلاقية، ومن أشهر أقواله عن الأخلاق عمومًا: “إن الله جعل مكارم الأخلاق ومحاسنها وصلًا بيننا وبينه”.

الكرم واقوال الامام علي (ع) عنه

يُعتبر السخاء من الأخلاق الفاضلة التي يجب أن يتحلى بها كل إنسان، ويحظى الإنسان الكريم والسخي غير المبذر بفائق الاحترام والتقدير في مجتمعه، وقد كان السخاء من الخصال الفريدة التي تحلى بها أمير المؤمنين عليه السلام وحثَّ الناس على التحلي بها أيضًا، وكان سخيًّا في حديثه عن السخاء فوَرَد قوله بهذا الشأن:

“السخاء خُلُق الأنبياء”.

“أكرم الأخلاق السخاء”.

“السخاء والشجاعة غرائز شريفة يضعها الله سبحانه فيمن أحبَّه وامتحنه”.

“أشجع الناس أسخاهم”.

“استنزلوا الرزق بالصدقة”.

“السخاء ثمرة العقل”.

“ما اُستجلبت المحبة بمثل السخاء”.

“السخاء يزرع المحبة”.

“السخاء يُكسب المحبة ويُزيّن الأخلاق”.

“السخاء يُثمر الصفاء”.

“السخاء يُمَحِّص الذنوب”.

“عليكم بالسخاء وحُسن الخُلق فإنهما يزيدان الرزق ويوجبان المحبة”.

“كثرة السخاء تُكثِر الأولياء و تستصلح الأعداء”.

“البخل جامعٌ لمساوئ العيوب”.

التقوى والورع وأقوال الإمام علي (ع) فيهما

إن من صفات المؤمن إطاعة الله عز وجلَّ في كل أمرٍ أنزله لضمان سلام الإنسانية، بالإضافة إلى الخوف والخشية من الله والعلم بأن الله رقيبٌ عليمٌ مما يكبح الإنسان من ارتكاب أي شائنةٍ أو سيئةٍ تضره أو تؤذي مجتمعه، وحث الإمام علي (ع) الناس على ذلك وأكَّده بقوله: “أوصيكم بتقوى الله الذي ابتدأ خلقكم”.

الصبر واقوال الامام علي (ع) فيه

يُعد الصبر وسيلةً لتقوية الإرادة وضبط النفس وزيادة القدرة على تحمل الضغوط و الابتلاءات والمشاكل، ولا يوجد ما هو أبهى من تلك السعادة التي يلقاها المؤمن بعد صبره؛ فيقول الله عز وجل في كتابه الكريم: ﴿وبشر الصابرين﴾، ومن أقوال الإمام علي (ع) عن الصبر: “وعليكم بالصبر، فإن الصبر من الإيمان كالرأس من الجسد، ولا خير في جسدٍ لا رأس معه، ولا في إيمانٍ لا صبر معه”.

الحلم والتعقل وقول الإمام علي (ع) بشأنهما

أمر الله تعالى الإنسان بتحكيم العقل وعدم التسرع في إطلاق الأحكام والأقوال وعدم التهور في اتخاذ القرارات، كما حذَّره من سيطرة الغضب على أقواله وأفعاله وحثَّه على اتخاذ الحلم والتأني منهجًا لحلّ أي مشكلةٍ تواجهه، وبقدر ما تحلى به الإمام علي من حلمٍ وتعقُّلٍ وتأنٍّ بقدر ما حثَّ البشرية على التحلي بهذه الأخلاق، فيقول عليه السلام: “الحلم غطاءٌ ساتر، والعقل حسامٌ قاطع، فاستر خلل خلقك بحلمك، وقاتل هواك بعقلك”.

رزانة الشخصية وقول الإمام علي (ع) عنها

ينال الشخص الرزين الذين يصون لسانه ويُراقب أفعاله ويمنع نفسه من الانزلاق في المفاسد الخلقية كل الاحترام والتبجيل من الناس في مجتمعه وكل المحبة واللطف من الله عز وجل، ويقول الإمام علي (ع) في رزانة الشخصية: “من كَرُمَت عليه نفسه هانت عليه شهواته”.

التواضع واقوال الإمام علي (ع) بخصوصه

يُعد التواضع -وليس التذلل- من مكارم الأخلاق المهمة في أي مجتمعٍ، ويُؤمِّن التواضع لصاحبه طريقًا مُيسّرًا للتغلغل في القلوب وكسر الحواجز بين الناس على اختلاف طبقاتهم الاجتماعية، ويدل على طيب النفس وحسن العشرة ودوام الحمد والشكر لله عز وجل والخشية من إغضابه فالتواضع هو شكل من أشكال الخشوع لله جل علاه، وسيلقى المُختال بنفسه والمتكبر سوء العاقبة في الدنيا حيثُ سينفر منه بنو جنسه وسيعيش في وحدةٍ قاتلةٍ تُطوِّقُ غروره، وكان الإمام علي (ع) من أكثر الناس تواضعًا وأعطى العالم دروسًا لا تُنسى في التواضع فيقول (ع) في التواضع:

“و بالتواضع تتم النعمة”.

“واعلم أن الإعجاب ضد الصواب وآفة الألباب”.

“من اغترَّ بالدنيا اغتصَّ بالمنى”.

“ولا وحدة أوحش من العجب”.

“فالله الله.. وسوء عاقبة الكبر”.

حفظ كرامة الناس وأقوال الإمام (ع)  فيها

لكل إنسانٍ عاقلٍ نفسٌ عزيزةٌ وكرامةٌ ثمينةٌ يعمل على صونها والحفاظ عليها، ويجب أن يُشارك الغير بذلك فتُصبح المسألة متبادلةً، وحذَّر الإمام الجليل من تشويه سمعة الناس والتحدث عنهم بالسوء في غيبتهم وحضورهم وفضح مشاكلهم واحتقارهم أمام الآخرين، فيقول عليه السلام: “فاستر العورة ما استطعت، يستر الله منك ما تُحب”.

طيب الكلام وصدقه وقول الإمام علي (ع) فيه

لا يوجد ما هو أرقى من أن يصون المرء لسانه ويلجمه عن التفوُّه بالكذب والكلام البذيء، فيحثُّ الإمام علي (ع) على الأدب في الحديث والنطق بالكلام الصادق الحسن الطيب الذي لا يجرح مشاعر الآخرين ولا يؤذيهم، فنحن نذكر اسم الله على ألسنتنا ولا يوجد أقدس من هذا الاسم فكيف لنا أن نجعل نفس اللسان ينطق بما لا يُرضي الله ورسوله، ويتجلى ذلك في قول الإمام علي (ع): “المتقي بعيدًا فحشه، لينًا قوله”، وقال لأنصاره عندما سمعهم يسبون العدو: “إني أكره لكم أن تكونوا سبابين”.

العفو والتسامح واقوال الامام علي (ع) عنهما

جميعنا نُحبُّ أن يتم العفو عن أخطائنا وزلاتنا، وكما يُحب الإنسان المؤمن لنفسه يجب أن يُحب لغيره، ويُعتبر التسامح وسيلةً لتطهير القلب والفكر ونشر المحبة والصلاح بين الجميع، وكان الإمام علي (ع) معروفًا بتسامحه حتى مع أعدائه، وحاول زرع بذور التسامح والمحبة في صدور الناس جميعًا من خلال أقواله والحث على الاقتداء بأفعاله، فيقول (ع) بهذا الشأن:

“إذا قدرت على عدوك فاجعل العفو عنه شكرًا للقدرة عليه”.

“ألا تُحبون أن يغفر الله لكم؟”.

كما يوجد العديد من الأقوال المأثورة للإمام علي (ع) في بقية مكارم الأخلاق ولكن رأيت أن أذكر أهم مكارم الأخلاق وأهم أقواله فيها والتي تُعتبر من أساسيات التعامل في كل مجتمعٍ صحيحٍ، وفي الختام عسى أن ننال الثواب والأجر الجميل على قدر الفائدة المرجوة من هذا المقال.