إنَّ رمضانًا شهرٌ للتقوى والإيمان، وهوَ وقتٌ مباركٌ لأداء العبادات، والقيام بالطّاعات على أكمل وجه، والالتزام بالأعمال الجيّدة والصّالحة، فالحسنة في الشّهر الكريم تساوي أضعافها بكثير، وإنَّ الصّوم ليسَ وحده طاعةً في رمضان، بل إنّهُ يوجد العديد من الأعمال الصّالحة الأخرى الّتي يستطيع المُسلم فعلها فيه، كقراءة القرآن والعُمرة.

المقصود بالعمرة في الإسلام:

وهيَ قصد النَّفِس والجسد لبيت الله الحرام (الكعبة)، والطّواف حوله، والتّوجه للصّفا والمروة للسعي بينهما، وإتمام مراسمها بكلّ عزيمة وإخلاص.
فكما قالَ الله تعالى: بِسمِ الله الرّحمن الرّحيم

وَأتّمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرةَ لِلّهِ

فضل العُمرة في شهر رمضان الكريم:

في بيان فضل العُمرة خلال الشّهر الكريم، رِويَ عن السّيدة الصّديقة ابنة الصّديق وأمّ المؤمنين عائشة رضيَ الله تعالى عنهما، أنّها سألت رسول الله صلّى الله عليهِ وسلّم:

يا رسولَ الله، على النّساءِ جهادٌ؟ قال:َ نعم عليهنَّ جهادٌ، لا قتالٌ فيه: الحجُّ والعُمرةُ

ويستطيع المُسلم القيام بالعمرة في أيّ وقت من العامّ، ما عدا أيّام الحجّ الأربعة، ولكن أداءُها في الشّهر الكريم أفضل من أداءها في باقي أيّام السّنة، كما ورِدَ في صحيح الإمام مُسلم،
عن عبد الله بن عبّاسٍ رضيَ الله عنهما:

قالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: لاِمْرَأَةٍ مِنَ الأنْصَارِ سَمَّاهَا ابنُ عَبَّاسٍ فَنَسِيتُ اسْمَهَا ما مَنَعَكِ أَنْ تَحُجِّي معنَا؟ قالَتْ: لَمْ يَكُنْ لَنَا إلَّا نَاضِحَانِ فَحَجَّ أَبُو وَلَدِهَا وَابنُهَا علَى نَاضِحٍ وَتَرَكَ لَنَا نَاضِحًا نَنْضِحُ عليه، قالَ: فَإِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فَاعْتَمِرِي، فإنَّ عُمْرَةً فيه تَعْدِلُ حَجَّةً.

 

والعُمرة وسيلة لتكفير ومحو السّيئات، وإزالة الذّنوب والخطايا، كقول رسولُ الهُدى محمّد عليه ألفُ صلاةٍ وسلام:

العُمرَةُ إلى العُمرَةِ كفّارةٌ لِما بينهما، والحجُّ المبرورُ ليسَ لهُ جزاءٌ إلّا الجنّة.

وقيلَ أنَّ العُمرةَ في شهر رمضان تساوي حجًّا. لبيت الله، كما رُويَ عن الصّحابي ابن عبّاس:
إنَّ عُمرَةً فيهِ تساوي حَجًّا

حُكم العُمرة خلال شهر رمضان المُبارك:

شُرّعت العُمرة عندَ كُلّ العلماء، ولكنّهم تعارضوا في الحكم التكليفيّ لها، وراحوا في هذا إلى قولين، وجاءَ فيهما ما يأتي:

  • القول الأوّل: عندَ الحنفيّة والمالكيّة، العُمرة سُنّة عن النّبي، وحصلوا عليه من قول جابر بن عبد الله رضيَ الله عنهُ:

أنَّ النّبي صلّى الله عليه وسلّم سُئلَ عن العُمرة أواجبةٌ هيَ؟ قالَ: لا، وأن تعتمروا هوَ أفضل.

  • القول الثّاني: عندَ الشّافعيّة والحنابلة، العُمرة واجبٌ، وحصلوا عليه من الحديث النّبوي

وأتمّوا الحجَّ والعُمرةَ لله.

كما أنَّ العُمرة معطوفة على الحجّ في هذا الحديث، مما يعني اشتراكهما في نفس الحُكم، كما استدلّوا عليه من الحديثِ الأتي:

عن أبي رزين رجلٌ من بني عامرٍ أنّهُ قالَ: يا رسولَ الله إنَّ أبي شيخٌ كبيرٌ لا يستطيعُ الحجَّ ولا العُمرة ولا الظّعن، قالَ احجج عن أبيكَ واعتمر.

 

  • والعُمرة محبب فعلها في رمضان، استنادًا لأحاديث رسول الله عليه الصّلاة والسّلام.

لماذا لم يعتمر رسول الله في رمضان؟

إنَّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان أكثر النّاس عملًا وجودًا واستقامة في شهر رمضان، كما كانَ يقوم بالكثير من العبادات خلال رمضان، إلّا أنّهُ لم يقوم بالعُمرة في الشّهر الكريم، رأفةً بأحوال المسلمين، ولكيّ لا يشقّ الطّريق على الأمّة، ويعتقد البعض لزوم أداء العُمرة في رمضان، فاختصرَ ذلك على استبيان فضلها، ولم يؤدّيها تخفيفًا لمتاعب المُسلمين.

التّوقيت الزّماني لأداء العُمرة في رمضان:

لم يبيّن أحد العلماء أوالرّسول تفضيل العُمرة في بدايات الشّهر الكريم أو وسطه أو آخرهِ، فالأفضليّة متمركزة في أيّ وقت من الشّهر الكريم.

وقد وُرِدَ في الأحاديث جزاء العُمرة دون تحديد مواعيد قضاءها، أو تخصيص وقت محدد لها في رمضان، ولكن جاءَ عن ابن باز أنَّ العُمرة في العِشر الأواخر من شهر الصّيام هي الأحسن، نظرًا لأفضليّتها، كما أضاف على هذا بقولهِ أنَّ الأجر يتضاعف بأولويّة المكان والزّمان، وعليه يكون الاتّجاه لبيت الله في الثّلث الأخير من رمضان أفضل من الاتّجاه إليه في ثلثيهِ الأوّل والثّاني.

فضل شهر رمضان الكريم

فضّل الله تعالى شهر رمضان على سائر الأشهر، فقد أُنزِلَ القرآن الكريم في رمضان، وليلةُ القدر الّتي هيَ خيرٌ من ألفِ شهر خصّها الله لهذا الشّهر، فضلًا عن ذلك جعلهُ شهرًا للعبادات والتّقوى والصّلاح كالصّيام، وترويض النّفس عن الشّهوات والرّغبات.

وقالَ جلَّ جلالهُ:

شَهرُ رَمضَانَ الَّذي أنُزِلَ فيهِ القُرآنُ هُدىً للنَاسِ وبيّناتٍ منَ الهُدى والفُرقان.

وهكذا جعلَ الله سبحانهُ وتعالى العديد من العبادات والأساليب لتكفير الخطايا والآثام، والتّقرب منهُ لكسبِ مرضاتهِ ومحبّتهِ وتوفيقهِ لعبادهِ المؤمنين.