طرح عصرنا الحالي عدة مشاكل وقضايا إنسانية جديدة والتي استدعت إيجاد حلول مبتكرة لها وأبرز هذه الحلول علم النفس الإيجابي. ففي حياة يتسابق فيها البشر لبلوغ القمم العليا في جميع المجالات، كثرت الضغوطات والمتاعب التي أحاطت بهذا السباق. مما فرض على العلماء والمفكرين رسم الحدود التي ستحافظ على إنسانيتنا من الضياع والاندثار أثناء محاولاتنا الدائمة للحاق بركب الحضارة.

تعمق العديد من العلماء في فهم تركيب النفس البشرية ودوافعها منذ القدم. فحاولوا تفسير السلوكيات الإنسانية المختلفة في إطار الحياة الجماعية التي تفرض أدوارًا مختلفةً على كل إنسان. وكلما تقدم بنو البشر وحققوا مزيدًا من الإنجازات العظيمة التي مكنتهم من استغلال الظروف لصالحهم. كلما برزت الحاجة إلى تحقيق الصلح مع ذواتهم لاستيعاب قوة العقل البشري الهائلة التي غيرت وجه العالم. فهل أنت من هؤلاء الذين يسعون لتحقيق السلام الداخلي مع نفسك لتستطيع فهم ما حولك أكثر؟! إذا كانت كذلك فإن التعرف على علم النفس الإيجابي هو الخطوة الموفقة الأولى لك في هذه المسيرة.

علم النفس الإيجابي

تعترضك العديد من الموافق المثيرة للجدل أثناء ممارستك لنشاطاتك اليومية. فتبدأ رحلة التفكير فيها لتجد نفسك بعد فترة غارقًا في تساؤلات جديدة، ومن الممكن أن يتكرر ذلك مرات عديدة في اليوم الواحد. ولكن من يحدد الإجابات الصحيحة على هذه التساؤلات اليومية؟ إن كنت من الباحثين على هذه الإجابات فإليك المصدر الأصدق وهو علم نفس الإيجابي!

علم النفس الإيجابي هو أحد العلوم الحديثة التي تبحث في تحقيق الذات البشرية السليمة. في حين يهتم علم النفس والطب النفسي بتشخيص الأمراض النفسية ومعالجتها. يركز هذا العلم  على تحديد الطريقة السليمة للتفكير والسلوكيات الصحيحة في الحياة. باعتبار أن السلامة النفسية هي الحالة الطبيعية التي يجب أن تسود بين البشر. ولا تقل أهميته عن بقية العلوم الأخرى، حيث أن له الأثر الكبير والأهم في التنمية البشرية وتطوير الذات.

في حين قد يبدو لك هذا العلم جزءًا من الفلسفة وأراء المفكرين، إلا أنك ستتفاجأ بالتجارب العلمية التي يقوم عليها وتثبت صحته من خلال بحوث علمية عديدة. إذ يستهدف هذا العلم مختلف شرائح المجتمع وطبقاته لأنه يسعى لتطوير الإنسان وقدراته بشكل عام، ولا يركز على المرض ومعالجته. ستشعر بذلك عندما تقرأ كتب علم النفس الإيجابي التي تكون غالبًا مصاغة بشكل مريح وبسيط، لضمان فهم القارئ. كما أنها لا تخلو من التشويق والمتعة.

أهداف علم النفس الإيجابي

يهدف علم النفس الإيجابي إلى التركيز على النقاط الإيجابية في تفكير وتكوين الإنسان، وذلك من أجل تنميتها وتقويتها لتحقيق التطور الدائم للقدرات والطاقات الإنسانية مهما كانت الصفات أو الظروف، حيث أن أحد أشهر المبادئ التي يقوم عليها علم النفس الإيجابي هو “إن استطاع إنسان القيام بأمر ما فإن باستطاعة أي إنسان آخر القيام بهذا الأمر”.

وهذا يعني الايمان التام بطاقات الإنسان الهائلة التي يمكن أن تكون مدفونة ولا يعلم الشخص نفسه بامتلاكه لهذه الكم من الطاقة التي تستطيع أن تحقق له أي هدف مهما كان صعب المنال بالنسبة له. مع العلم أن هذا الايمان يمد صاحبه بالقوة والشجاعة الكافيين لاكتشاف ذاته والتي تمثل أكبر الكنوز الدفينة.

وعندما يبلغ الإنسان هذه الغاية النبيلة يمكنه بعدها أن يدعم نقاط القوة ويصلح الأضرار ونقاط الضعف، مما يجعل منه إنسانًا حقيقيًا قادرًا على مواجهة مختلف الظروف والموافق دون أن تتأثر صحته النفسية أو الجسدية حتى!

تطبيقات علم النفس الإيجابي

يمكن الاستفادة من الإنجازات المختلفة لعلم النفس الإيجابي في العديد من المجالات، لأن هذه المجالات على اختلافها مبنية على أساس واحد وهو الإنسان والذي يمثل جوهر علم النفس الإيجابي! وسنتعرف معًا على أهم تطبيقات علم نفس الإيجابي:

التربية: تربية الطفل هي عملية مستمرة لفترة طويلة من الزمن، يتم خلالها غرس المبادئ التي ستلتصق في ذهنه خلال مسيرة حياته، فتحدد شخصيته. لذلك من أهم تطبيقات علم النفس الإيجابي التربية لأنها العملية الأهم في تكوين إنسان قوي يقدر ذاته ويفيد نفسه ومن حوله. عندما يكبر الطفل في بيئة سليمة ومحبة سيكون في المستقبل فردًا فعالًا في مجتمعه، وسيسعى دائمًا للابتكار والتطوير مما سيساهم في سعادته أيضًا.

علم النفس الإيجابي والأسرة

بما أن الأسرة هي نواة المجتمع ووحدة بنائه، فإن بناء أسرة سليمة يضمن بناء مجتمع سليم، لذلك يهتم علم النفس الإيجابي بالأسرة اهتمامًا خاصًا، إذ يسعى لتطوير أساليب الحوار البناء والتعبير عن الذات بمشاعرها وأفكارها، مما يضمن خلق بيئة آمنة ضمن الأسرة تمكن أفرادها من اكتشاف طاقاتهم واستثمارها، مع المحاولة المستمرة للحفاظ على هذه البيئة.

فعندما يقوم كل من الأب والأم بدوره الصحيح في عملية تربية الطفل، سيقوم هذه الطفل بدوره بدعم أبويه في المستقبل، مما يضمن استمرارية البيئة الإيجابية الخلاقة. فالطفل السعيد سيكون في المستقبل الأب أو الأم الداعمين لأطفالهم والمساهمين في بناء مجتمع سليم يمكن لكل فرد فيه أن يحقق أهدافه ويحافظ على اطمئنانه ورضاه بعيدًا عن الخوف أو التسابق الدائم للفوز في معركة الحياة.

كيف يحقق علم النفس الإيجابي أهدافه

عند الحديث عن علم النفسي الإيجابي سوف تبدو أهدافه خيالية للوهلة الأولى، لكنه لم يكتف بتحديد هذه الأهداف وإنما أوجد الأداة الأساسية لتحقيقها، وهذه الأداة هي السلوك! فالسلوك السليم سوف يرسم مستقبلًا واعدًا يمكن الإنسان من تحقيق النجاح والسعادة في آن معًا. مع العلم يتركز تعلم السلوك الصحيح في فترة الطفولة، فيعتاد الطفل عليه ويصبح أسلوب حياته الطبيعي، مما يحميه من الإنجراف في مشاكل الحياة فيحافظ على نفسه هانئًا مرتاح البال.

إن كنت تفكر في أحلام طفولتك وتظن أنها ضاعت وأصبحت عاجزًا عن تحقيقها، فانفض غبار هذا التفكير عنك واستعد لرحلة مليئة بالسعادة والنجاح، فعلم النفس الإيجابي سيكون دليلك لتحقق ما ظننت أنه ضاع للأبد منك، سلوكك اليوم سيكون مستقبلك غدًا فحافظ على ذاتك وقدر قيمتها لأن سعادتك تكمن فيها!