تطوّرت أساليب غسيل الأموال من الأساليب التّقليديّة البسيطة إلى الأساليب الحديثة التّي دخلت فيها تكنولوجيا الاتصالات. وذلك بهدف تمويه الأموال المُحصّلة بطرق غير الشّرعية وتحويلها إلى أموال شرعية قابلة للتّداول والاستثمار. ومن هذه الطّرق التّجارة بالمخدرات أو بالبشر أو السّلاح، أو أموال ناتجة عن التّهرب الضّريبي. فهذه الأموال لا يستطيع صاحبها إقحامها في القنوات الماليّة الرّسميّة بصورة طبيعيّة لا تثير الشّبهات. فُتدخل هذه الأموال بطريقة مشروعة ضمن المجال المصرفي أو خارجه. وفي الحالتين يجب العمل على القضاء على هذه الظاهرة التّي تشهد انتشارًا وتطوّرًا ملحوظين وخاصةً في الفترة الأخيرة. لما لها من أضرار جمّة على الاقتصاد المحلي والاقتصاد العالمي. والجدير بالذّكر أنّ عملية غسيل الأموال تتركز بشكل كبير في الدّول المتقدّمة التي تمتلك نظام مصرفي متطوّر.

أساليب غسيل الأموال

تتعدّد أساليب غسيل أو تبييض الأموال، كمّا أنّها تتطور مع مرور الزّمن كي تتلاءم مع المتغيرات الاقتصاديّة المحلية والعالميّة. ومن هذه الأساليب:

شركات الدّمي Dummy Companies

وهي شركات أجنبيّة تأسّست بسرعة كبيرة للتّغطيّة على شركات وهمية. تعمل بطرق قانونيّة ولكن ليس لديها هدف تجاري واضح، فغايتها الأساسيّة هي تحويل الأموال غير المشروعة بشكل عام وأموال المخدرات بشكل خاص إلى أموال مشروعة. وذلك عن طريق تضليل الحكومة وأجهزتها الأمنية. وتكون عملية التّضليل بطريقتين:

  • الصّفقات التّجاريّة وإعادة الهيكلة: تقوم هذه الشركات باستثمار الأراضي والعقارات المعروفة بعدم استقرار أسعارها، مما يجعل من الصّعب تحديد مدى منطقيّة الأرباح التي تحصلها الشّركة من عمليات البيع والشّراء. أو قد تلجأ هذه الشّركات إلى شراء شركات قائمة بالفعل لكنها على وشك الإفلاس، وتُعيد الشّركة هيكلتها وتحوّلها إلى شركة ناجحة. وذلك بتضخيم حجم الإيرادات التي يتم جنيها من هذه الشّركة. وتقليل تكاليفها ومصاريفها. وتحرص الشّركة على تسديد الالتزامات الضّريبيّة المفروضة على الشّركة المُشتراة وذلك لإبعاد الشُبهات عن أعمالها وتعيين محاسبين لمساعدتهم في عملية غسيل الأموال.
  • اتفاقيات القروض: ويكون الهدف هنا إعادة أصحاب الأموال غير المشروعة أموالهم إلى بلادهم بطريقة شرعية. فيلجؤون إلى إجراء اتفاقات اقتراض مع بنوك أجنبيّة. ولكي تقوم هذه البنوك بتوقيع العقد لا بدّ أن تحصل أولًا على تعهد من بنك آخر في بلد من بلاد الملاذ المصرفي كسويسرا، لتضمن فيه الشّخص الذّي يريد الحصول على القرض.

الإقرار الجمركي أحد أساليب غسيل الأموال

انتشر هذا الأسلوب وهو من أساليب غسيل الأموال لدى المهربين بشكل كبير، فيدخل أحد المهربين إلى بلد ما بهدف إبرام صفقة تجاريّة، ويعلن لدى الجمارك أنّه يملك مبلغًا كبيرًا من المال، كمليون دولار على سبيل المثال، بينما المبلغ الذي بحوزته أقل من هذا المبلغ بكثير (100ألف دولار)، وذلك بهدف ضمان موافقة الجمارك أو بالاتفاق معهم في بعض الأحيان. ويدخل المهرب إلى البلاد وبحوزته ما يُثبت أن لديه مبلغ مليون دولار. ثم يأخذ الفرق بين المبلغين والمُتمثل بـ900 ألف دولار. ويعود إلى بلده وبحوزته المليون دولار مبررًا أن الصفقة لم تتمّ على أكمل وجه.

أمّا في حال لم يتعاون موظف الجمارك وقام بعدّ المبلغ واكتشف أنّه أقل بكثير من المبلغ المُصرّح به، يستطيع المُهرب أن يتذرع بحجّة أنّه أخطأ في عدّ الأموال أو نسي القسم الآخر في بلده.

اقتناء ما غلي ثمنه وخف وزنه كأحد أساليب تبييض الأموال

وسيلة لإخفاء الأموال ينتهجُها مبيضو الأموال عن طريق شراء مقتنيات غالية الثّمن إلّا أن وزنها خفيف مثل الذّهب والمجوهرات والتّحف الفنيّة النّادرة المرتفعة السّعر. وهم يلجؤون إلى هذا الأسلوب لأنّه يضمن لهم موافقة بائعي هذه المقتنيات بالأموال دون السؤال عن مصدر هذه الأموال. وبذلك يكون المُشتري قد حوّل أمواله إلى أموال مشروعة دون معرفة الطرف الآخر.

ويستطيع بيع القطعة في أي وقت يريده وإعادة الأموال التي أنفقها في شرائها. كما أنه يستطيع تهريبها خارج البلاد بسهولة ومن ثم بيعها.

الإيداع الجماعي كأحد أساليب تبييض الأموال

يعتمد مبيضو الأموال في هذه الطريقة على مجموعة من الأشخاص، وذلك بإعطائهم مبالغ مالية لإيداعها في عدّة مصارف، وشراء شيكات مصرفيّة ذات قيمة محدودة تقل عن 10000 دولار. وبذلك لا يُسأل المُشتري عن مصدر هذه الأموال، لأن مبلغ الأموال ضمن المسموح به.

ومن ثمّ يسلّم هؤلاء الأشخاص الشّيكات المصرفيّة لشخص آخر الذي بدوره يتولى عملية تصريفها.

الاستثمارات الوهمية كأحد أساليب تبييض الأموال

غالبًا ما يلجأ مبيضو الأموال إلى إيداع مبالغ مالية كبيرة في لدى بنك من بنوك الدول النّامية مدعيًا الرّغبة بالاستثمار فيها، التّي بدورها ترحب بهذه الأموال لحاجتها إليها في استثمارات ومشاريع تفيد البلد. وغالبًا ما يكون إيداع هذه الأموال بالعملات الأجنبية. وبعد إيداع هذه الأموال في البنوك بعدّة أشهر يقدّم المودع طلبًا لتحويل المبالغ التّي أودعها إلى بلده الأصلي، مبرّرًا ذلك بتعرضه لأزمة مالية. وعند تحويل الأموال إلى مصرف في بلده يُصرّح أنّ مصدر هذه الأموال هو نشاط تجاري خارج البلد أو صفقة تجاريّة.

المقامرات الوهمية كأحد أساليب تبييض الأموال

أسلوب آخر من أساليب تبييض الأموال فيلجأ أصحاب هذه الأموال إلى ابدالها بفيشات من الكازينو أو القيام ببعض عمليات المقامرة، ثم يُعيد صاحب الأموال هذه الفيشات إلى مصدرها ويحصل بالمقابل على شيكات بنكيّة مسحوبة على حساب الكازينو. ومن ثمّ يقدّم مبيض الأموال الشيك إلى البنك الذّي يتعامل معه، فينقل البنك قيمة الشيك من حساب الكازينو إلى حساب صاحب الأموال غير المشروعة. وبذلك تصبح الأموال نتيجة أرباح الكازينو أو المقامرة.

تُشير الدّراسات والإحصاءات إلى أنّ ظاهرة تبييض الأموال تتسارع بشكل خطير مما يُهدّد الاقتصاد العالمي، وخاصةً مع انتشار التجارة الإلكترونية التي ساعدت على تبييض الأموال في غضون دقائق قليلة. وقدّر المحللون الاقتصاديون أنّه حوالي %15 من إجمالي قيمة تبييض الأموال يأتي من تبييض الأموال.