تتعدد الأمراض التي تصيب الإنسان وتختلف في شدتها، ولكن أغلبها يمتلك علاجًا يوقي من تأثيراتها على صحة الإنسان. بل وقد يتصدر بعض منها اهتمام منظمة الصحة العالمية والحث على علاجها والتخلص من أضرارها. ونذكر مثال عنها: سوء التغذية ونتائجها السلبية على صحة الطفل والمجتمع. إذ يتطلب النمو المثير للرضيع خلال السنة الأولى (والذي يتمثل بزيادة الوزن بمقدار 3 أضعاف وزيادة الطول بمقدار ضعفين). بالإضافة إلى النمو المستمر حتى فترة المراهقة احتياجات تغذويةً فريدةً وضروريةً للنمو والتطور والحصول على الوزن المناسب.

ينجز الإنسان يوميًا ما يقارب خسارة 1-2 كيلو من الوزن، كما يهدر كميةً من الطاقة لا بأس بها ليكمل نشاطه ومهامه اليومية دون إرهاق أو كلل. في المقابل، يتطلب تغذيةً صحيحةً وسليمةً لتحقيق النمو والتطور المثالي ليستعيض بها عن تلك الطاقة المفقودة يوميًا. من ناحية أخرى، أثبتت الدراسات الحديثة أن سوء التغذية في مرحلة الطفولة الباكرة له دور هام في إحداث أمراض مختلفة تصيب البالغين لاحقًا. ونذكر على سبيل المثال: داء السكري (النمط الثاني)، والبدانة، وارتفاع الضغط الشرياني، والمتلازمة الاستقلابية. فما هو سوء التغذية وما نتائجه على صحة الطفل؟

مقدمة عامة عن سوء التغذية عند الطفل

يعد سوء التغذية بشكليه (الحاد والمزمن) أحد الأسباب الشائعة للوفيات بين الأطفال على مستوى العالم. وخاصةً الذين لا يتجاوز أعمارهم مرحلة الطفولة الباكرة (أقل من خمس سنوات). حيث يسبب الوفاة بنسبة 55% في تلك الفئة العمرية، وقد ركزت منظمة الصحة العالمية واليونسيف على موضوع سوء التغذية الحاد أكثر من المزمن. من أجل نسبة الوفيات العالية وخاصةً عند الدول الفقيرة والمعرضة للمجاعات مثل دول إفريقيا.
وغير أنه عكوس إذ يمكننا إنقاذ الطفل من الموت، إذا تغذى بشكل ملائم. وفي المقابل، عندما نريد أن نقيم طفلًا وفقًا للنمو، هناك بعض المصطلحات الثابتة للمساعدة في التوصيف مثل: طبيعي، ونحيل، وهزيل، وضخم، وبدين، ومفرط الوزن. ومن ناحية أخرى، يتطلب تطبيق النظام الغذائي الصحي وعيًا كافيًا وتعاونًا بين الكادر الصحي والعائلة والمجتمع لتحقيق التطور والنمو وتجنب سوء التغذية ونتائجها على صحة الأطفال.

أسباب سوء التغذية عند الأطفال

  • يصنف سوء التغذية إلى: الإفراط في التغذية، ونقص التغذية. في حين توجد أربعة أشكال وأسباب لسوء التغذية، وهي:
    • سوء التغذية الحاد malnutrition Acute: والسبب في ذلك نقص في الوارد الغذائي، والأمراض الهضمية مثل سوء الهضم والامتصاص، وضياع الوزن المفاجىء مثل الخباثات ومرض السل. ويصنف إلى شكلين: سوء التغذية الحاد الشديد، وسوء التغذية الحاد المتوسط.
    • سوء التغذية المزمن أو القزامة malnutrition Chronic: والسبب في ذلك يكون في النظام الغذائي غير المتوازن، وخاصةً في الأيام الألف الأولى من الحياة. والمقصود بذلك (1000 يوم ضمن الرحم + أول سنتين من العمر أي 9 أشهر حملية + 24 شهرًا). ومما يجعله في النتيجة أمرًا غير قابل للتراجع. كما يعبر عن الحالة التغذوية المزمنة عن طريق نسبة الطول إلى العمر عند الطفل.
    • نقص الوزن: والسبب قد يكون حصارًا ما أو مجاعةً، ويقسم إلى نقص الوزن الحاد أو المزمن (هنا لا يتأثر طول الإنسان ويبقى طبيعيًا).
  • عوز المغذيات الدقيقة: والسبب هنا اعتماد نظام غذائي معين. وعلى سبيل المثال نذكر الأشخاص النباتيين.
  • بالإضافة إلى الطابع الوراثي للمرض.

المظاهر السريرية لسوء النغذية عند الأطفال

تصنف المظاهر السريرية تبعًا لنمط سوء التغذية. فلنذكر في البداية الأعراض السريرية عند أطفال سوء التغذية الحاد، إذ له شكلان:

  • الشكل الأول كواشيوركور، وهو عوز تغذوي بروتيني وحروري. وبالإضافة إلى ذلك، يتصف مريض كواشيوركور بما يلي: وذمة ثنائية الجانب في الأطراف الأربعة. ونعني بالوذمة (احتباس سوائل في مكان لا يجب أن تتواجد فيه من الجسم)، وتغير في الحواجب والأظافر، وتضخم في حجم الكبد، كما أن الوجه مستدير كالقمر.
    في المقابل، يتميز مريض الكواشيوركور بعضلات ضامرة (غير ظاهرة تمامًا بسبب تأثير الوذمة)، والوجه المدور كما ذكر سابقًا. وبالإضافة إلى وجود بقع ناقصة الصباغ (أفتح من لون الجلد) في جهتي الجسم، وتشقق على مستوى هذه البقع، وهياج ورفض للطعام.
  • أما الشكل الثاني يسمى السغل وهو عوز تغذوي حروري أكثر منه بروتيني، ويتصف مريض السغل بالهزال الشديد، والجلد الرقيق الجاف، كما أن الأضلاع مرئية لديه. بالإضافة إلى بطن متبارز ومسطح، وما يميزه عن الشكل الأول غياب الوذمة.
  • في حين يبقى التظاهر السريري الأهم لسوء التغذية المزمن هو القزامة.

المؤشرات التي تساعد في تحديد سوء التغذية وطرق تشخيصه

تتشارك عدة طرق لتحديد فيما إذا كان الطفل يعاني من سوء تغذية أم لا، وهناك أربعة عوامل يعتمد عليها تشخيص سوء التغذية، وهي:

  • العمر: لتحديد عمر الطفل أهمية في التشخيص، حيث نعتمد على قياس محيط الجمجمة دون عمر 6 أشهر. في المقابل، يساعد شريط الـ muak ( حيث يلف هذا الشريط على منتصف ذراع الطفل ) في تحديد سوء التغذية عند الأطفال الأكبر سنًا. والمقصود بذلك: يمتلك الشريط 3 ألوان. حيث يشير اللون الأحمر (أقل من 11.5 سم)  إلى سوء تغذية حاد ويحتاج الطفل هنا إلى دخول المشفى. من ناحية أخرى، يشير اللون الأصفر من الشريط السابق( بين 11.5 – 12.5 سم) إلى سوء تغذية حاد متوسط، وهنا يحتاج الطفل إلى رعاية خارج المشفى. أما اللون الأخضر (أكبر من 12.5 سم) يشير إلى صحة جيدة للطفل.
  • الوزن: وهو ضروري من أجل حساب الوزن/الطول مما يساهم في تحديد سوء التغذية الحاد.
  • الطول: حيث يقاس الطول عند الأطفال دون السنتين من العمر يمقياس خاص. في حين يقاس الطول عند الأطفال الأكبر سنًا بالارتفاع.
  • طرق إضافية: ونتحرى في الفحص السريري للطفل ما يلي: وجود أو غياب الوذمة ثنائية الجانب، انخفاض حرارة الجسم (وذلك لغياب النسيج الشحمي). بالإضافة إلى شحوب راحتي اليدين، ويوجد أيضًا علامات جلدية مرافقة.
  • التقييم المخبري: وهو ضروري جدًا لتأكيد التشخيص. على سبيل المثال: تعداد عام وصيغة، وتحديد المشعرات الدموية، ومعايرة حديد المصل، وبروتين الجسم الكلي. بل ونعاير أيضًا سكر الدم والمعادن الأخرى، وفحص براز للتحري عن الطفيليات.

ما هو تأثير سوء التغذية على صحة الطقل

يملك سوء التغذية نتائج ضارةً جدًا على الطفل. وكما ذكرنا سابقًا قد تكون النتيجة عكوسةً مثل سوء التغذية الحاد في حال دبرت في وقت مبكر. في المقابل، تحمل نتائج كارثيةً وأضرارًا كبيرةً على الصحة قد تصل حتى الموت في حال سوء التغذية المزمن. ومن أهم التأثيرات، نذكر:

  • زيادة الإصابة بالأمراض الإنتانية.
  • زيادة خطر الإصابة بالأمراض المزمنة عند الكبار في السن.
  • انخفاض الأداء المدرسي بسبب تأثير سوء التغذية السلبي على التعلم والتطور المعرفي.
  • التقزم وتأثيره السلبي على الدماغ حيث يسبب نقصًا شديدًا في الذكاء.
  • الخطر الأكبر وهو حدوث الوفاة.

 

تدبير وعلاج سوء التغذية عند الأطفال

نظرًا إلى خطورة نقص التغذية الشامل على صحة الطفل، سرعان ما اعتمدت منظمة الصحة العالمية على خطة علاج تابعة لنمط سوء التغذية الحاصل. حيث  يعتمد العلاج على الفحص السريري والموجودات، نذكر على سبيل المثال:

  • العلاج المشفوي الذي يعتمد على حليب خاص يسمى حليب F75 وF100 بشكل أساسي عند مرضى سوء التغذية الشديد.
  • زبدة الفستق: وهي مخصصة لعلاج الأطفال المصابين بسوء التغذية الشديد في مناطق الفقر والمجاعات بعمر أكبر من 6 أشهر. وبالإضافة إلى أنه غني بالطاقة والسعرات الحرارية، كما أنها آمنة وسهلة الاستخدام في المنزل. إذ تعطى بعد الإرضاع الطبيعي بمقدار 3 ملاعق طعام ثلاث مرات يوميًا.

 

في الختام، لا شك أن الصحة أهم نعمة من نعم الله علينا، لذلك يجب المحافظة على نظام صحي متوازن. كما والبقاء في صحة سليمة وبعيدة عن الأمراض وسوء التغذية المتفشي في أنحاء العالم.
طفلك أمانتك، فبقدر ما تواظبين على إمداده بالغذاء الصحي الكامل، بقدر ما تحصلين على إنسان بالغ سليم وفعال في المجتمع. ولا بد من مراجعة طبيبك عند ظهور أي علامة من علامات سوء التغذية، لعدم قدرة الأطفال على الشكاية ولتتجنبي عزيزتي حصول سوء التغذية وآثاره السيئة على صحة طفلك.