لماذا سميت سورة إبراهيم بهذا الاسم؟ من المرجح ألا تكون قد سألت نفسك عزيزي القارئ هذا السؤال من قبل. إذ أن أكثر المسلمين يهتمون بفضل قراءة سور القرآن، والتركيز على ما ورد فيها من معانٍ ومواعظٍ وحكمٍ، دون أن يعيروا أي اهتمامٍ لسبب تسمية هذه السور بمسمياتها.
حيث ارتبطت أسماء بعض السور القرآنية بدلالاتٍ زمنيةٍ كسورة الجمعة والفجر والليل. في حين ارتبط بعضها الآخر بدلالاتٍ مكانيةٍ كسورة الكهف والطور والبلد. كما لفتت بعض السور الأنظار إلى الظواهر الكونية مثل الشمس والقمر والنجم والرعد والزلزلة والطارق. إذ جاء ذلك تأكيدًا على أهمية التأمل في هذه الظواهر وأخذ العبرة منها. ومن جهةٍ أخرى فقد كان لأسماء الأنبياء أيضًا نصيبًا من أسماء السور الواردة في القرآن الكريم، كسورة يوسف، ويونس، وهود، ومحمدٍ، وطه، وإبراهيم وغيرها، ومما لا شك فيه أن الآيات الواردة في السورة ترتبط ارتباطًا مباشرًا باسم السورة.

أما عن سورة إبراهيم فتقع في الجزء الثالث من القرآن الكريم، وهي السورة الرابعة عشر بحسب ترتيب ورودها في القرآن. كما يبلغ عدد آياتها اثنتين وخمسين آيةً، في حين يبلغ عدد كلماتها ثمانمائةٍ وإحدى وثلاثين كلمةً. وتعتبر هذه السورة من أعظم سور القرآن الكريم، فلماذا سميت سورة إبراهيم بهذا الاسم، وما هي أسباب نزول هذه السورة.

لماذا سميت سورة إبراهيم بهذا الاسم

سميت سورة إبراهيم بهذه التسمية، نظرًا لما ورد فيها من ذكرٍ لتفاصيل قصة سيدنا إبراهيم مع زوجته هاجر وابنه إسماعيل. إذ لم ينجب سيدنا إبراهيم من زوجته الأولى سارة لوقتٍ طويلٍ، وكان عندهما خادمة تدعى هاجر، فزوّجته سارة من هاجر عله يرزق بذريةٍ. حيث حملت هاجر بنبي الله إسماعيل، كما حملت سارة بعد ذلك بنبي الله إسحاق. وتروي السورة أن سيدنا إبراهيم أخذ هاجر وابنها إسماعيل إلى الشام، ثم إلى مكة المكرمة. حيث تركهم هناك مع القليل من الطعام والماء. فلما نفذ هذا المخزون طفقت هاجر تمشي بين جبلين هما جبلي الصفا والمروة وتناجي ربها مستغيثةً، فأرسل الله جبريلًا عليه السلام إليها بعد أن أتمت سبعة أشواطٍ، وكانت آنذاك عند موضع يدعى زمزم. حيث فجر جبريل عليه السلام بأمر ربه ماء زمزم، فبدأت تغرفه بيديها وتسقي سيدنا إسماعيل عليه السلام.

كذلك يرى البعض الآخر أن سبب تسمية سورة إبراهيم بهذه التسمية تحمل نوعًا من أنواع التخليد لنبي الله إبراهيم الذي حطم الأصنام وبنى بيت الله الحرام مع ابنه إسماعيل عليهما السلام.

فضل سورة إبراهيم

روي في الحديث المثبت عن نبي الإسلام محمدٍ عليه السلام أنه قال “من قرأ حرفًا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشرة أمثالها”. أي أن لقراءة كل حرفٍ من حروف سورة إبراهيم عشر حسناتٍ، كما هو حال جميع سور القرآن.
ومن جهةٍ أخرى فقد أجمع فقهاء المسلمين على أنه في قراءة سورة إبراهيم فضل عظيم وفائدة كبيرة، وهناك الكثير من الأحاديث التي تروى في فضل قراءة سورة إبراهيم، ونذكر منها:

  • أن نبي الله محمد عليه الصلاة والسلام قال مخاطبًا ابن عمه وصهره علي بن أبي طالبٍ كرم الله وجهه “يا علي من قرأ سورة إبراهيم كان في الجنة رفيق إبراهيم، وله مثل ثوب إبراهيم، وله بكل آيةٍ قرأها مثل ثوب إسحاق بن إبراهيم”.
  • قال رسول الله محمدٍ صلى الله عليه وسلم “من قرأ سورة إبراهيم أعطي من الحسنات بعدد من عبد الأصنام، وعدد من لم يعبدها”.

ويروى أن النبي عليه السلام قال فيها أيضًا” من كتبها في خرقةٍ بيضاء وعلقها على طفلٍ، أمن عليه من البكاء والفزع، ولم يصبه ما يصيب الصبيان”. وغيرها الكثير من الأحاديث التي تشير إلى أن قراءة سورة إبراهيم تقي من الفقر ومن الجنون والبلاء.

مضامين سورة إبراهيم

تناولت سورة إبراهيم عددًا من المواضيع إلى جانب قصة هدم سيدنا إبراهيم عليه السلام للأصنام التي كان قومها يعبدها، وتركه لزوجته هاجر وابنه إسماعيل في مكة المكرمة، ومما ورد في سورة إبراهيم:

  • مكانة القرآن الكريم، وإعجازه وقدرة الله تعالى في هذا الكون الفسيح.
  • دعوة الرسل لإخراج قومهم من ظلمات الجهل إلى نور المعرفة، ثم انتصارهم على أعدائهم.
  • مناظرة بين الشيطان وأتباعه وتخليه عنهم يوم القيامة.
  • مقارنة بين نعيم أهل الجنة، وعذاب أهل النار.
  • عظمة خالق الكون ومظاهر قدرته، ونعمه التي لا تعد ولا تحصى على خلقه.
  • مشاهد من يوم القيامة.

أسباب نزول سورة إبراهيم

من المعلوم أن سور القرآن الكريم لم تنزل كاملةً كما هو حالها الآن، إنما نزلت على شكلٍ آياتٍ جمعت فيما بعد لتأخذ هيكليتها المعروفة حاليًا. وقد ارتبطت بعض الآيات بحدثٍ اقتضى نزولها، ومن هذه الآيات في سورة إبراهيم:

  • الآية رقم سبعًا وعشرين “يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ”، والتي يقال إنها نزلت في عذاب القبر.
  • الآيتان الثامنة والعشرون والتاسعة والعشرون “أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ (28) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا ۖ وَبِئْسَ الْقَرَارُ (29)”. حيث نزلت هاتين الآيتين بعد انتصار المسلمين على كفار قريش في غزوة بدر.

لم ترد أسباب واضحة لنزول آيات السورة الكريمة الأخرى، إلا أنه يمكن القول إن هذه الآيات نزلت لتؤكد بأن الله حق، وبأنه أرسل محمدًا عليه السلام لهداية الناس.

هل سورة إبراهيم مكية أم مدنية

يبلغ عدد سور القرآن الكريم التي نزلت على النبي محمدٍ عليه السلام في مكة المكرمة، والمعروفة بالسور المكية، اثنتين وثمانين سورةً، بينما يبغ عدد السور المدنية التي نزلت على النبي بعد هجرته إلى المدينة المنورة عشرين سورةً فقط. في حين اختلف العلماء على تصنيف الاثنتي عشر سورةً الباقية على كونها مكيةً أو مدنيةً. وتعتبر سورة إبراهيم من السور المكية إذ نزلت خمسون آيةً منها في مكة المكرمة، بينما نزلت الآيتان الثامنة والعشرين والتاسعة والعشرين منها في المدينة المنورة عقب انتصار المسلمين على كفار قريش في غزوة بدر.