مآذن تصدح، وأطفال تغني وتمرح، وهنا حبال زينةٍ، وأضواء ملونةٍ. استعدادات لسهراتٍ، وعروض ومهرجاناتٍ. كل ذلك يرسم لوحةً رائعةً في تناغمٍ فريد، إيذانًا بيوم العيد. يرتدي الأطفال أجمل ثيابهم، وينطلقون نحو مرحهم وألعابهم. تملأ حناجرهم الضحكات، بما جمعوه من العيديات. هلما بنا عزيزي القارئ نستذكر معًا لماذا نحتفل بعيد الأضحى المبارك، عسى ألا تغادر الأفراح دارك.

لماذا نحتفل بعيد الأضحى المبارك

رافق مفهوم الأضحية الإنسان منذ نشوء أقدم الحضارات الإنسانية، ولعل القرابين البشرية كانت هي الأكثر انتشارًا حينها. حتى جاءت معجزة الله الخالدة، في قصة نبي الله إبراهيم عليه السلام. حيث كان قد هم بذبح ابنه إرضاءً لله تعالى. غير أن المعجزة وقعت، فقد فداه الله بكبشٍ عظيمٍ أنزله من السماء منهيًا بذلك عصر القرابين البشرية، محلًا محلها القرابين من الأنعام التي تؤكل لحومها.
ويمكن القول إن الاحتفاء بهذا العيد هو احتفاء بالنبي العظيم إبراهيم عليه السلام، وهو الذي خاض تجربةً إيمانيةً فريدةً من نوعها تؤهله لأن يصبح خليل الرحمن. فمن ذا الذي يستطيع أن يقدم ابنه قربانًا بيديه، إلا إذا كان إنسانًا راسخًا في الإيمان، مسلمًا كل التسليم بالقضاء. لذا كان إحياء المسلمين لهذا العيد العظيم، إجلالًا وإكبارًا لذكرى هذه الحادثة العظيمة، التي تعيد ترسيخ مفهوم الإيمان المطلق بقضاء الله وقدره.

كيف يحتفل المسلمون بعيد النحر المبارك

تتزامن احتفالات المسلمين بعيد الأضحى مع اقتراب انتهاء حجاج بيت الله الحرام من أداء مناسكهم، ووقوفهم على جبل عرفة في مكة المكرمة في التاسع من ذي الحجة. حيث تبدأ مظاهر العيد في العاشر من ذي الحجة بتجمع المسلمين في الساحات لأداء صلاة العيد، وقلوبهم مفعمة بالخير والأمل. بعد الانتهاء من أداء الصلاة يتبادل الحاضرون الكلمات والتهاني والتبريكات.

ثم يعودون إلى منازلهم لتقديم الأضاحي، حيث توزع لحومها على الفقراء وذوي الحاجة. من جهةٍ أخرى تعتبر الملابس الجديدة من طقوس العيد، ولا تقتصر على الكبار والصغار، بل حتى أن الشوارع  تكتسي ثياب العيد وتتلون واجهات المحلات التجارية بالألوان البراقة.
وعلى امتداد عيد النحر وأيام التشريق الثلاثة، يكثر المسلمون من التكبير والتهليل لله عز وجل. في حين يتبادل البعض الزيارات العائلية وزيارات الأصدقاء والجيران، يحيي آخرون ليالي العيد في حفلاتٍ، وعروضٍ مهرجانيةٍ. حيث تنظم بعض الفنادق والمطاعم برامج معدةً خصيصًا لهذا العيد.

الفوائد الاجتماعية للعيد الكبير

من عظمة التشريع الإلهي أنه جعل العبادات التي يتقرب بها الإنسان من الله تعالى، هي نفسها التي تقربه من أهل مجتمعه. بتوزيع الأضاحي تطرق الفرحة أبوب الفقراء، ويحصل التعاون والتكافل بين الناس، كما تنتشر المودة والرحمة بينهم. فقد جبلت القلوب على حب من أحسن أليها. ومن مظاهر العيد أيضًا الإكثار من الزيارات بين الأقارب والأصدقاء، وبصلة الرحم تزاد المودة والإلفة، وتحل النزاعات والخلافات.
من جهةٍ أخرى يعبر المسلمون عن شكرهم لله في هذا العيد بإظهار الفرح والسرور أن وفقهم الله لطاعته، وأكرمهم بتمام نعمته. كما يتوسعون في المأكل والمشرب، ويكون هذا التوسع لإظهار الفرح بتمام الحج، حيث تقدم الأضاحي، فيأكل الناس منها. ومن أجل ذلك لا يجوز الصيام في العيد.

طقوس عيد النحر في بعض الدول العربية

  • يعمد المصريون إلى ذبح الأضحية على أبواب بيوتهم أو في الشوارع، ويفضلون أن يقوم صاحب الأضحية بذبحها بنفسه، مما قد ينجم عنه أحيانًا فرار الأضحية ناطحةً كل من يواجه طريقها في موقف مرحٍ، وإن كان لا يخلو من بعض الخطورة.
  • بعد نهاية صلاة العيد في اليمن، يبدأ ما يعرف بمهرجان المصافحة، حيث يصافح الجميع بعضهم بعضًا بكل ود ومحبة. وبعد تقديم الأضاحي يتوجهون إلى الساحات والأسواق الممتلئة بالفرق الجوالة، والتي تعزف ألحانًا يتراقص اليمنيون على أنغامها بالخناجر والبنادق، بما يعرف رقصة الدراج.
  • يرتدي الشباب جلود الماعز، أو الخراف في المغرب، في طقسٍ يعرف بالبوجلود، ويغطون وجوههم بأقنعةٍ مزينةٍ، ثم يبدؤون السير في الشوارع في خطوط مستقيمةٍ تضبطها إيقاعات الطبول، ويقوم الناس بإعطائهم الحلوى والمال، وحتى نصيبًا من أضاحيهم مكافأةً لهم على البهجة التي أدخلوها على نفوسهم.