تعويم العملة هو أحد المصطلحات التي تتكرر باستمرار في أيامنا هذه فماذا يعني هذا المصطلح؟ لنتعرف معًا في مقال اليوم على العملة العائمة بجوانبها الإيجابية والسلبية. شهد العالم في الفترة الأخيرة أحداثًا استثنائية غيرت مسار العديد من جوانب الحياة وأبرزها الجانب الاقتصادي.

حيث يعتبر الاقتصاد من أكثر المجالات تأثرًا بالتغيرات المختلفة، وهذا ما أثبتته جائحة فيروس كورونا المستجد بتأثيراتها على مختلف جوانب الحياة ومنها الجانب الاقتصادي. فكيف يمكن أن يؤثر تعويم العملات على قيمتها وعلى الاقتصاد بشكل عام؟

حكمت قاعدة رصيد الذهب على قيمة عملات البلدان المختلفة. حيث كانت هذه القاعدة هي أساس سعر صرف مختلف العملات منذ سبعينيات القرن الماضي. ولكن ظهرت العديد من العوامل الجديدة التي أثبتت تأثيرها على أسعار الصرف، لتغير حكم الذهب على اقتصاد العالم. وهنا برزت العملات العائمة.

مفهوم تعويم العملة

تعويم العملة هو تحديد سعر صرف العملة المحلية بالنسبة للعملات الأجنبية بحسب العرض والطلب في سوق العملات. فيتغير سعر صرف العملة المحلية بحسب الطلب عليها، وقد يحصل هذا التغير عدة مرات في اليوم الواحد.

أبرز ما يميز العملات العائمة هو استقلال سعر صرفها عن الحكومة ومصرفها المركزي، فلا تتدخل الحكومة بتحديد سعر صرف العملة وهذا ما سبب ظهور نوعين أساسين من التعويم وهما:

التعويم المطلق أو الكامل: يسيطر العرض والطلب تمامًا على تحديد سعر صرف العملة العائمة، ولا يتدخل بذلك المصرف المركزي والحكومة.

التعويم المدار أو الموجه: تؤثر الحكومة والمصرف المركزي على تحديد سعر صرف العملة العائمة. وذلك من خلال التأثير على العرض والطلب. ويشاهد هذا النوع في الدول ذات الاقتصاد القوي التي تعمل على زيادة صادراتها وتقليل وارداتها. وتكون لهذه الدول حصة كبيرة من التجارة العالمية، ويعرف هذا النوع أيضًا باسم “التعويم القذر”.

بعد الأزمة المالية التي حصلت في عام 2008، ظهر ما يسمى بحرب العملات. حيث سعت معظم الدول الاقتصادية الكبيرة إلى تضخيم صادراتها وتقليص وارداتها وهنا سيطرت نوعًا ما على سعر تصريف عملتها المحلية من خلال التعويم المدار أو الموجه. أما بالنسبة للدول الضعيفة اقتصاديًا فإن التعويم المدار سيشكل أعباءً جديدةً لها ومن الممكن أن يفاقم عجزها.

متى تلجأ الدول لتعويم عملتها

تلجأ الدول إلى تعويم عملتها في إطار الأزمات الاقتصادية والسياسية الكبيرة التي يمكن أن تهز استقرار البلاد، ويخرج فيها سعر الصرف من يد المصرف المركزي والمؤسسات المالية الحكومية.

وهنا تجد هذه الحكومات نفسها أمام تضخم الواردات وتقلص الصادرات، بالإضافة إلى انخفاض الاستثمارات الأجنبية فيها. فيبرز هنا دور السوق الموازية أو ما يعرف بالسوق السوداء والتي تتحكم بسعر صرف العملة المحلية بناءً على العرض والطلب.

إيجابيات تعويم العملة

يشكل تعويم العملة مغامرة اقتصادية قد تحمل العديد من الفوائد والمخاطر، وقد يكون أثره على اقتصاد البلاد ايجابيًا بشكل ملحوظ، أو قد يسبب فجوة كبيرة يصعب سدها. من أهم الآثار الإيجابية التي تلاحظ عند تعويم العملة:

  • إعادة التوازن بين الصادرات والواردات من خلال انخفاض سعر الصادرات فيزيد الطلب عليها من جهة، وارتفاع سعر الواردات فيقل الطلب عليها من جهة أخرى، وهذا ما يعرف بالتثبيت التلقائي.
  • تخفيف الأزمات من خلال تخفيف الضغط على المصرف المركزي الذي يسعى لإعادة تقييم العملة.
  • خلق المرونة اللازمة للتعامل مع التغييرات الحاصلة في التجارة العالمية والتي لم يكن من الممكن التعامل معها في ظل سياسة سعر الصرف الثابت.
  • عزل البلاد عن التضخم الذي يمكن أن يحصل عند ارتفاع الواردات في سعر صرف ثابت وقد يقود للعجز الاقتصادي.
  • انخفاض معدل جرائم غسل الأموال.

سلبيات تعويم العملة

يمكن أن يؤدي التغير المستمر في سعر صرف العملة المحلية إلى آثار سلبية حقيقية قد تضر بالبلاد من عدة وجوانب، وأبرز هذه الآثار:

  • عدم الاستقرار: وهذا ينتج عن التغير الكبير والمستمر في سعر الصرف.
  • انخفاض الاستثمار الأجنبي أو متعدد الجنسيات.
  • المضاربة والاحتكار.
  • غياب الانضباط الذي يؤدي إلى تضخيم المشكلات المحلية مما يقود إلى تحولها إلى أزمات.
  • تضرر العديد من الفئات ومجالات الاستثمار أبرزها مجال العقارات، حيث لا يمكن أن تتغير أسعار العقارات بنسبة كبيرة في أيام قليلة.

من الرابح ومن الخاسر بسبب تعويم العملة

يختلف تأثير تعويم العملة بين الربح والخسارة باختلاف الفئات المتأثرة، حيث قد يسبب هذا التعويم تضاعف ثروات البعض، فيما قد يؤدي لإفلاس آخرين.

الرابحين من تعويم العملة هم المتعاملون بالعملات الأجنبية وقد تتضاعف ثروة هؤلاء عند تعويم العملة المحلية. كما يستطيع البعض أن يسدد الديون المتراكمة عليه للجهات الحكومية، وذلك بسبب انخفاض القيمة الحقيقية لهذه الديون.

التجار أو الوكلاء أحد أهم الرابحين من تعويم العملة، وذلك بسبب امتلاكهم كميات ضخمة من البضائع التي تضاعفت قيمتها، كما يستفيد بشكل واضح المنتجون الذين يعتمدون على تصدير منتجاتهم.

أما المتضرر الأكبر أو الخاسر هم أصحاب المدخرات بالعملة الوطنية، حيث تنخفض القيمة الشرائية لمدخراتهم بشكل ملحوظ، كما يتضرر الدائنون بالعملة المحلية بشكل كبير، بالإضافة لخسارة المستوردين، والمنتجين الذين يعتمدون على المواد الأولية المستوردة.

الضرر الأكبر يكون من نصيب الموظفين وخاصة في القطاعات الحكومية، لأن هؤلاء الموظفون يعتمدون على المدخول الشهري الثابت، والذي لا يمكنه التضاعف أو حتى الارتفاع ليوازي سعر الصرف العائم، فتنخفض القيمة الشرائية له بدرجة كبيرة.

الاقتصاد والتجارة أحد أكبر المتاهات الدولية، التي تنطوي فيها العديد من المغامرات المليئة بالأخطار والمتاعب، والتي يمكن أن تؤدي في ذات الوقت إلى خلق ثروات هائلة للعديد من الفئات. وتعويم العملة أحد الطرق الملتفة في هذه المتاهة، حيث يتسبب التعويم بمرونة اقتصادية كبيرة، وبنفس الوقت يمكن أن يخلق أزمات جديدة، ولكن في جميع الأحوال يبقى لكل أزمة تجارها وضحاياها في آن معًا.