تخشى الكثير من السيدات في بداية حملهن من إصابة طفلهن بتشوه الجنين، فيسارعون إلى إجراء الفحوصات، والاختبارات اللازمة للتأكد من سلامته. كثرت في الآونة الأخيرة الاستفسارات حول تشوه الجنين، فما هي أسبابه؟ وكيف يمكن تجنبه؟

يمر الجنين خلال فترة نموه في الرحم بمرحلتين رئيستين من التطور بعد الحمل. المرحلة الأولى تحدث خلال الأسابيع العشرة الأولى من الحمل، وفيها تتشكل معظم أجهزة، وأعضاء الجسم الرئيسة. أما المرحلة الثانية فهي الفترة المتبقية من الحمل. في هذه المرحلة تنمو أعضاء الجنين، وتتطور. يكون الجنين في المرحلة الأولى أكثر عرضةً للإصابة بالتشوهات. كما يمكن أن تتسبب العدوى، وبعض الأدوية ضررًا كبيرًا للجنين خاصةً في الفترة الممتدة بين الأسبوع 2، والأسبوع 10 من الحمل.

مع العلم شغلت الأبحاث المتعلقة بعلم الجنين حيزًا كبيرًا من اهتمام العلماء في السنوات الأخيرة، فاستطاعوا فهم آلية تطور الجنين بدقة متناهية. كما اهتموا بدراسة تشوه الجنين، وأسبابه،كما توصلوا إلى طرق تشخيص كثير من التشوهات قبل الولادة حتى.

ما هو تشوه الجنين

تشوه الجنين “Birth Defects” هو عيب خلقي ينشأ في المرحلة الجنينية، وتظهر عواقبه بعد الولادة متمثلةً بتشوهات خَلقية أو تراجع في الاستيعاب، والقدرات الذهنية للطفل.

العيب الخلقي هو شيء غير طبيعي في جسم المولود الجديد. كما يمكن أن يؤثر التشوه على أي جزء من جسم الطفل تقريبًا، فقد يكون:

  • مرئيًا: مثل فقدان أحد الأطراف أو وحمة غير طبيعية.
  • داخليًا: مثل تشوه الكلية نتيجة عدم التشكل الصحيح لها أو تشوه الحاجز البطيني (ثقب في الجدار الذي يفصل بين البطينين في القلب).
  • خللًا كيميائيًا: أمثلته كثيرة نذكر منها “بيلة الفينيل كيتون“، وهي خلل في تفاعل كيميائي يسبب تأخر نمو الطفل.

يمكن أن يولد الطفل بتشوه خلقي واحد، كـ “الشفة الأرنبية“، وهي عبارة عن فجوة في الشفة العليا تشبه في مظهرها شفة الأرنب. كما يمكن أن يولد بعدة تشوهات مثل “الشفة المشقوقة“، و”الحنك المشقوق“، بالإضافة إلى عيوب في الدماغ، والقلب، وأيضًا الكلى.

وتشير الدراسات الإحصائية إلى أنه في كل 4.5 دقيقةً يولد طفل بعيب خلقي في الولايات المتحدة الأمريكية، فمن بين كل 33 ولادة جديدة فيها، يعاني طفل واحد من تشوهات خلقية. كما يعاني (2-3)% من الأطفال بالعالم من تشوه على الأقل عند الولادة. لترتفع هذه النسبة إلى 5% بعد عامهم الأول. إذ لا تكتشف جميع التشوهات بعد الولادة مباشرةً.

أمثلة عن تشوه الجنين

  • رتق الاثني عشر.
  • انسداد في الأمعاء الدقيقة.
  • تشوه “داندي ووكر“، وهو تطور غير طبيعي للحفرة الخلفية في جمجمة الجنين. يسبب هذا التشوه مشاكل كثيرةً للطفل غالبًا ما تنتهي بالوفاة.
  • عيوب الأطراف، وهي تحدث عندما يلتف سائل السلى الجنيني حول أجزاء من جسم الجنين، كالقدم أو الإصبع.

ما أسباب تشوه الجنين

لم يتوصل العلماء إلى تحديد السبب الدقيق لتشوه الجنين، فهي على تنوعها، قد تكون ناتجةً عن اجتماع عدة عوامل. إلا أنهم رجحوا العوامل التالية كأسباب محتملة لتشوه الجنين:

  • العدوى أثناء الحمل.
  • تعاطي المخدرات أثناء الحمل.
  • عوامل وراثية أو غير وراثية: فحوالي 20% من حالات تشوه الجنين ناتجة عن عوامل وراثية أو غير وراثية.
  • أسباب جينية (خلل في الجينات، والكروموسومات): تنقسم الأسباب الجينية لتشوه الجنين إلى ثلاث مجموعات رئيسة، وهي:
      • شذوذ الكروموسومات.
      • عيوب الجين الواحد.
      • متعددة العوامل.

يحوي كل خلية في جسم الإنسان على 46 كروموسومًا، ويحوي كل كروموسوم على آلاف الجينات. يحمل كل جين تعليمات وراثية هي شبه ما تكون بمخطط يتحكم بعملية نمو أو وظيفة جزء معين من الجسم. على ذاك، فإن كل جنين يحمل عددًا من الكروموسومات يفوق العدد الطبيعي أو ينقص عنه، سيتلقى تعليمات خاطئةً فيما يتعلق بتطور أعضائه، والوظائف المنوطة بها.

 

متلازمة “داون هي مثال على تشوه الجنين الخلقي الناتج عن خلل في عدد الكروموسومات. تنتج متلازمة داون عن زيادة صبغي في الشفع 21، ليصبح عدد الكروموسومات عند (46+1). الأمر الذي يسبب مجموعةً من التشوهات، وأهمها:

  • تأخر في النمو.
  • وهن العضلات.
  • انحدار العينين نحو الأسفل.
  • تشوه في شكل الأذنين.
  • تجاعيد غير طبيعية في راحة اليد.
  • تشوهات في القلب، والأمعاء أيضًا.

بالإضافة إلى وراثة صبغي زائد أو غائب، فهناك تشوهات يسببها الحذف أو التضاعف في الجينات المفردة على الصبغي الواحد. أحد الأمثلة على ذلك “التليف الكيسي“، وهو اضطراب يسبب تلفًا تدريجيًا للبنكرياس، والرئتين.

تأثير الأدوية والعقاقير على الجنين

يمكن لبعض الأدوية، والعقاقير أن تسبب تشوه الجنين. تكون التشوهات أكثر خطورةً عند استخدام هذه الأدوية خلال الأشهر الثلاثة الأولى للحمل، وهي الفترة التي يزداد فيها قلق الحوامل حول إصابة الجنين بالتشوهات، فيلجؤون إلى إجراء فحوصات خاصة لتبديد مخاوفهم.

بعض الأدوية المسببة لتشوه الجنين على سبيل المثال لا الحصر:

  • ثاليدومايد“: وهو دواء مضاد للغثيان يسبب تشوهًا معروفًا باسم “Phocomelia” وهو غياب معظم الذراع، واتصال اليدين بالكتفين.
  • أيزوتريتينوين“: يستخدم لعلاج الأمراض الجلدية. يسبب “متلازمة الريتينويد” التي تتميز بتأخر النمو، وتشوهات خطيرة في الجهاز العصبي المركزي، والقلب، وبعض الغدد الصم.
  • الكحول: وهو من أكثر العقاقير المسببة لتشوه الجنين، فهو يسبب ما يسمى بـ”Fetal alcohol syndrome” متلازمة الكحول الجنينية.

تشخيص تشوه الجنين

تلجأ كثير من السيدات الحوامل إلى إجراء اختبارات للتأكد من سلامة الجنين من أية تشوهات، إذ يمكن تشخيص تشوه الجنين خلال فترة الحمل. كما تظهر الفحوصات منذ الأشهر الثلاثة الأولى للحمل ما إذا كان الجنين يعاني من تشوه في القلب أو متلازمة داون. إذا أظهرت اختبارات الأمواج فوق الصوتية أو اختبارات الدم نتائج غير طبيعية، سيوصي الطبيب بإجراء اختبارات تشخيصي.

تشمل اختبارات الثلث الأول من الحمل ما يلي:

      • فحص دم الأم.
      • الموجات فوق الصوتية للكشف عن السوائل الزائدة خلف رقبة الجنين.

أما اختبارات الثلث الثاني للحمل فهي تكشف عن أية تشوهات بنيوية للجنين، وتشمل:

      • مخطط صدى القلب للجنين.
      • تصوير الجنين بالرنين المغناطيسي.
      • أخذ عينات من المشيمة.
      • اختبار بزل السلى للكشف عن العدوى الفيروسية، كالفيروس المضخم للخلايا “CMV“.

لا يمكن للأطباء اكتشاف جميع التشوهات الخلقية فور ولادة الطفل، فهناك بعض التشوهات التي لا تظهر إلا بعد عدة أشهر، كـ”الجنف“. في حالات أخرى، قد يستغرق اكتشاف التشوهات سنوات عديدة. كما في حالة الكلية غير الطبيعية.

كيف يمكن تجنب تشوه الجنين

يوصي الأطباء بمجموعة من النصائح لحمل صحي، وللتقليل من خطر تشوه الجنين. مثل:

  • المراجعة الفورية للطبيب في حال الاشتباه بوجود حمل، والمراجعة الروتينية خلال الحمل.
  • إذا كنتِ تحاولين الإنجاب أو كنتِ ناشطةً جنسيًا، ولا تستخدمين وسائل منع الحمل، فتناولي فيتامين ما قبل الولادة مع 400 ميكروغرام من حمض الفوليك.
  • الإقلاع عن التدخين، والمشروبات الكحولية.
  • الامتناع عن تعاطي المخدرات.

 

إنه لأمر مقلق سيدتي أن تكتشفي أن طفلك يعاني من تشوهات، وهو لا يزال في رحمك. كما لا يمكننا إغفال العامل العاطفي للآباء، والتأثير النفسي للتشوه على طفلك، مضافًا له التأثير الصحي. من جهة أخرى، فإن اتباعك للنصائح أعلاه يقلل خطر إصابة طفلك بالتشوهات الخَلقية. بعد الولادة لا بد من مراجعة الطبيب لاتخاذ الإجراءات اللازمة، والأهم من ذاك أن تتذكري دومًا سيدتي أنه ما زال طفلك قادرًا على التنفس، فهو قادر على الإبداع!