إن تغير نمط الحياة وتغير العديد من الأنظمة الغذائية وإيجاد مهن جديدة على مر العصور كان له دور عظيم في تطور الحياة البشرية، ولكن لا يُمكن نسيان أن لهذا التجديد والتطوير ضريبةً لا بد أن يدفعها البشر، ومن أبرزها انتشار أمراضٍ ومشاكل صحية مزعجة للغاية ويُمكن أن تعكر صفو الحياة وتُحدد نشاطات الفرد، وسأحدّثك في هذا المقال عن إحدى أهم هذه المشاكل وأكثرها شيوعًا ألا وهي البواسير، كما سأطلعك على أعراضها وأسبابها وطرق علاجها والوقاية منها.

 

 

تعريف البواسير

هي حالة مرضية تتمثل بتورم وانتفاخ الأوردة واحتقانها، وتظهر بشكلٍ أساسيٍّ تحت الجلد حول فتحة الشرج وتسمى عندها “البواسير الخارجية” كما يُمكن أن تظهر في داخل القسم السفلي من المستقيم ويُطلق عليها حينها “البواسير الداخلية”، كما يوجد نوع آخر هو “البواسير المخثورة” الذي يحدث عند تجمع الدم في الباسور الخارجي وتشكيل خثرة، يُمكنك أن تُلاحظ العديد من أوجه الشبه بين البواسير والدوالي الوريدية التي تظهر في الساقين والخصيتين كما تتشابهان في بعض طرق العلاج أيضًا.

أعراض البواسير

تختلف الأعراض قليلًا ما بين البواسير الداخلية والخارجية والمخثورة، فتتمثل أعراض البواسير الخارجية بشكل عام بـ:

  1. الشعور بعدم الراحة والألم في المنطقة.
  2. الشعور بالحكة وتهيج الجلد حول فتحة الشرج.
  3. ظهور انتفاخ وتورم واحمرار وترفع بالحرارة في تلك المنطقة.
  4. قد يحدث النزف بعد فترة أو قد تبقى محتقنة إلى حين المعالجة.

بينما تتجلى أعراض البواسير الخارجية بالآتي:

  1. إن أوضح عرض هو النزف غير المؤلم المُلاحظ عند التبرز خاصةً، حيثُ يُلاحظ خروج بعض الدم الفاتح.
  2. قد يندلع الباسور الداخلي ويخرج من فتحة الشرج فيُسبب الألم الشديد.

أما البواسير المخثورة فمن أهم أعراضها:

  1. التورُّم والانتفاخ الواضح ذو الملمس والمظهر الصلب تقريبًا.
  2. الألم الشديد.
  3. أعراض التهابية في المنطقة.

أسباب البواسير

إن العامل الأساسي في ظهور البواسير هو زيادة الضغط على الأوردة في المستقيم السفلي والشرج، حيثُ تتمدد فيزداد جريان الدم فيها وتحتقن وتنتفخ وتتورَّم، ويعود هذا الضغط للأسباب التالية:

  • الإصابة بالإمساك المزمن وبذل جهد أكبر أثناء التبرز.
  • البدانة.
  • الإصابة بالإسهال المزمن والجلوس لفترة طويلة على المرحاض.
  • الحمل وما ينتج عنه من تغيرات هرمونية تؤدي إلى الإمساك بالإضافة إلى الضغط الفيزيائي الذي ينتج عن كبر الجنين داخل الرحم.
  • ممارسة الجماع الشرجي.
  • رفع الأثقال ذات الوزن المرتفع بشكل مستمر سواءً كان عبر رياضة معينة أو مهنة ما.
  • الجلوس لفترات طويلة من دون القيام بأي نشاط فيزيائي أو تحريك القسم السفلي؛ كما يحدث عند المرضى المقعدين أو أصحاب المهن التي تتطلب الجلوس الطويل كالأعمال المكتبية وقيادة المركبات.
  • التقدم بالعمر.
  • إتباع الأنظمة الغذائية الفقيرة بالألياف النباتية والخضروات والغنية بالنشويات، وقلة شرب الماء.

علاج البواسير

يشمل علاج البواسير عدة نقاط حسب درجة الحالة المرضية، ويُفضل بدايةً بإتباع العلاجات المنزلية الآتية:

  1. إتباع نظام غذائي غني بالألياف كالفاكهة والخضار والحبوب الكاملة والإكثار من شرب الماء والسوائل الدافئة، ويُفضل القيام بذلك تدريجيًا لتجنب مشكلة الغازات.
  2. عمل مغطس من الماء الدافئ أو الأعشاب المخففة للحالة مثل البابونج لمدة 10 إلى 15 دقيقة مرتين أو ثلاث مرات في اليوم.
  3. المشي لمدة لا تزيد عن ساعة يوميًا.

إذا لم تتحسن بعد إتباع النصائح السابقة فعندها يُمكنك اللجوء لاستخدام الأدوية التي تُصرف من دون وصفة طبية مثل:

  1. مسكنات الألم من فئة OTC مثل أسيتأمينوفن أو باراسيتامول وآيبوبروفن وأسبرين.
  2. الكريمات والمراهم والتحاميل الموضعية الحاوية على أحد مشتقات الكورتيزون مثل فلوسينولون أسيتونيد أو هيدروكورتيزون؛ وذلك لتخفيف الالتهاب والتقليل من الحكة والتهيج، ويُشارَك معهما الليدوكائين للتخدير الموضعي وتخفيف الألم، كما قد تحتوي نفس الأشكال الصيدلانية على خلاصات نباتية مضادة للالتهاب وملطفة للأعراض؛ مثل خلاصة لوبينوس ألبوس وروبيا تنكتوريا والآلوفيرا وخلاصة الهماميليس زيت الأوكاليبتوس وزيت إكليل الجبل وخلاصة قشور الرمان وأوراق القريص.
  3. توجد مضغوطات أيضًا تستخدم في العلاج والوقاية من البواسير تحتوي على هيسبيريدين وديوسمين، وهما مادتان مستخلصتان من الحمضيات وتفيدان في تخفيف الحالة وتحسين العود الوريدي.

عليك مراجعة طبيب مختص إذا لم تتحسن في غضون أسبوع بعد تطبيق العلاجات السابقة، أو إذا حدث نزيف غير طبيعي أو شديد أو مستمر ومتكرر من فتحة الشرج أو إذا شعرت بالدوخة، فهذا قد يُشير لأمراض أخرى غير البواسير لا يُمكن اكتشافها إلا بالفحص السريري أو بعد إجراء تحاليل مناسبة يُحددها الطبيب، وقد يلجأ إلى إحدى العلاجات التالية:

  • استئصال البواسير المخثورة.
  • إتباع الإجراءات طفيفة التوغل؛ مثل ربط شريط مطاطي حول قاعدة البواسير لقطع الدورة الدموية عنها وتركها تسقط لوحدها، بالإضافة إلى المعالجة بالتصليب وهي طريقة تتمثل بحقن مادة كيميائية داخل نسيج الباسور فتسبب تقلصه وتعتبر أقلّ كفاءةً من الطريقة السابقة، كما يوجد طريقة التخثير بالأشعة تحت الحمراء أو الليزر أو الثنائية القطبية.
  • العمليات الجراحية؛ التي تتمثل باستئصال البواسير جراحيًّا بعد التخدير الموضعي أو النخاعي أو العام، وهي الطريقة الأكثر فعالية لعلاج البواسير الحادة أو المتكررة، كما تتمثل بتدبيس البواسير الذي يتم عادة على البواسير الداخلية وتتميز بإحداثها لألم أقل كما تسمح بعودة المريض لحياته اليومية وأداء مهامه، ولكن معدل حدوث تدلي جزء من المستقيم بعد التدبيس أكبر من معدل حدوثه مع الاستئصال.

الوقاية من البواسير

يعلم جميعنا أن الوقاية من حدوث أي مشكلة أفضل بكثير من الخوض في غمار الإصابة بها والانطلاق في رحلة علاجها، وتُعتبر البواسير من المشاكل التي تلعب الوقاية منها دورًا كبيرًا في تجنب حدوثها بشكلٍ كاملٍ، وما عليك إلا إتباع الآتي:

  • تجنب حدوث الإمساك قدر الإمكان، وإتباع نصائح الوقاية من الإمساك وأهمها إتباع النظام الغذائي المناسب الغني بالألياف النباتية.
  • الإكثار من شرب السوائل بما فيها الماء النقي وشراب الشعير غير الكحولي ومنقوع أو مغلي الأعشاب الطبية كالمليسة والبابونج.
  • يُمكن تناول المكملات الغذائية التي تُساعد في تحسين عملية الهضم وتليين الكتلة البرازية مثل البسيليوم (أو بذور القطونة) أو بذور الكتان مع شرب كوبين كبيرين من الماء على الأقل مع كل جرعة، بالإضافة إلى المكملات الحاوية على ديوسمين وهيسبيريدين.
  • ممارسة التمارين الرياضية غير المُجهدة وتقليل الوزن الزائد، وتجنب الجلوس المستمر لفترات طويلة وإذا تطلبت مهنتك ذلك فيمكنك ضبط منبه أو تذكير على هاتفك المحمول لتُمارس بضعة تمارين أو تتمشى قليلًا كل ساعة أو ساعتين، وإذا كنت مقعدًا فيُفضَّل أن تستعين بممرض أو فرد من عائلتك للقيام بالحركات المناسبة لكي لا تُصاب الأمعاء بالكسل التام.

تُعتبر الإصابة بالبواسير من المشاكل المزعجة والمنتشرة والتي تصيب ثلاثةً من أربعة بالغين من وقتٍ لآخر، ولكن لا داعي للقلق بشأنها طالما أوجد الطب التقليدي والعلمي طرقًا لتجنبها وعلاجها، ومن المهم ألا تُعزي كل نزف شرجي إلى الإصابة بالبواسير بل قد يكون عائدًا لأمراضٍ أخرى أكثر خطورة كسرطانات القولون مثلًا، لذلك تبقى الاستشارة الطبية هي الخيار الأضمن لعدم تطور أي حالة مرضية.