لا بدّ أن يمر مصطلح فحص معدل السكر التراكمي على كل مصاب بالداء السكري، وبالطبع سيكون المصطلح للمرة الأولى غريبًا. إنّ قياس تركيز السكر في الدم يشكل معيارًا هامًّا لتقييم وضع المصاب، ولكنه يعتبر فحصًا لحظيًّا لا يعبر عن فترة زمنية. يرغب الأطباء دومًا بالاطمئنان على التزام المرضى بالخطة العلاجية المقررة بدقة، ولكن المصاب بالداء السكري قد لا يلتزم بالعلاج بالشكل المطلوب ويأخذ الدواء يوم الموعد المقرر لمراجعة الطبيب.
كما أنّ الطبيب المعالج لا يستطيع أن يلازم المريض لحظة بلحظة لقياس تراكيز السكر في دمه بشكل متكرر خلال اليوم. ولذلك قد لا يستطيع الطبيب تقييم نجاح الخطة العلاجية بشكل دقيق.
وكما هو الحال في أي معضلةٍ طبية، بدأ الباحثون بالتقصي عن حل ناجح للتغلب على هذا العائق. فما الذي سيفعله الأطباء للتعامل مع هذه المشكلة؟! وما هو الحل الذي سيُتبع!

مفهوم معدل السكر التراكمي

يُعبر فحص معدل السكر التراكمي أو HbA1c عن متوسط تركيز السكر في الدم خلال الأشهر الثلاثة الماضية. فالأمر أشبه بقياس متوسط أداء الموظف طوال السنة، يومٌ واحد لا يعبر عن أدائه طوال العام، وقياس واحد لتركيز السكر لا يمكن أن يعبر عن الحالة ونجاعة العلاج بالشكل الأمثل.
يجب على المصابين بالداء السكري إجراء هذا الفحص بشكل منتظم للتأكد من بقاء مستويات السكر في الدم ضمن المجال المطلوب. ويمكن لفحص HbA1c أن يظهر الحاجة لتغيير الخطة العلاجية، كما يمكن أن يستخدم لتشخيص الإصابة بالداء السكري.

آلية فحص HbA1c

يرتبط سكر الغلوكوز -وهو السكر الأساسي في الدم- مع الهيموغلوبين في كريات الدم الحمراء، ويقيس فحص HbA1c كمية الغلوكوز المرتبط.
وتعيش الكريات الحمراء لثلاثة أشهر، لذا يكون هذا الفحص تعبيرًا عن متوسط تركيز السكر في الدم خلال الأشهر الثلاثة الماضية. ويرتبط تركيز السكر في الدم بقيمة HbA1c بشكل طردي. حيثُ يزداد معدل السكر التراكمي بازدياد تراكيز السكر في الدم خلال الفترة المنصرمة.

القيم الطبيعية لفحص معدل السكر التراكمي

تختلف القيم التي يهتم الطبيب بالحصول عليها من هذا الفحص باختلاف الحالة، حيثُ أنّ للأصحاء مجال قيم يختلف قليلًا عن المجال الهدف لمن هم مصابون بالداء السكري.

القيم الطبيعية لـ HbA1c للأصحاء

يكون المعدل الطبيعي في هذه الحالة بين 4% و5.6%. فالقيم التي تتراوح بين 5.7% و6.4% تشير إلى أن الشخص في مرحلة ما قبل الداء السكري، أما إذا زادت عن 6.5% فالمريض مصاب بالداء السكري.

القيم الهدف لـ HbA1c للمصابين بالداء السكري

يهدف الطبيب المعالج في هذه الحالة إلى الحفاظ على قيمة معدل السكر التراكمي أخفض من 7%. حيثُ يمكن أن تصل في حالة السكري غير المعالج لفترة طويلة إلى ما فوق 8%، الأمر الذي يؤدي لازدياد سرعة ظهور المضاعفات وشدتها. ويمكن تحقيق هذا الهدف بالمشاركة ما بين الحمية، والتمارين الرياضية، والدواء المناسب.

معدل السكر التراكمي حسب العمر

أشارت الدراسات الحديثة إلى أنّ معدل السكر التراكمي يرتفع مع التقدم في العمر. ولكن هذا الارتفاع لا يعني أن الشخص في طريقه للإصابة بالسكري، فهو ارتفاع طبيعي.
كان هذا الاكتشاف مقلقًا للأطباء الذين يشرفون على علاج مرضى مصابين بالداء السكري، حيثُ أنّ هذا الارتفاع سيضعف من الدلالة التشخيصية للفحص. أي أنّ الطبيب لن يستطيع تحديد سبب الارتفاع بالكامل، هل يعود الارتفاع كله إلى عدم فعالية العلاج؟ أم هل للتقدم في العمر دور في جزءٍ من هذا الارتفاع؟
لذا كان من الضروري قيم ومجالات جديدة لمعدل السكر التراكمي تضع في الاعتبار دور العمر في القيمة المقاسة، وفيما يلي توضيح لذلك:

  • تحت العشرين عام: 4.27 ± 0.64.
  • بين الواحد والعشرين والأربعين عام: 4.97 ± 0.61.
  • بين الواحد والأربعين والستين عام: 5.13 ± 0.71.
  • فوق الستين عام: 5.26 ± 0.49.

ومن خلال تحديد هذه القيم يمكن للطبيب المعالج تحديد ما إذا كان الارتفاع في قيم HbA1c للمريض يدل على الإصابة بالمرض أم أنّه اختلاف طبيعي نتيجة التقدم بالعمر.

العوامل المؤثرة على معدل السكر التراكمي

بالإضافة إلى التقدم في العمر، يمكن لعوامل أخرى أن تؤثر على القيمة المقاسة لمعدل السكر التراكمي. فالمصابون بأمراض تؤثر على الهيموغلوبين مثل فقر الدم، قد تكون القيم المتحصل عليها لديهم مضللةً وغير ممثلة للواقع.
كما يمكن للعوامل التالية أن تؤثر على قيمة HbA1c:

  • المكملات، مثل المكملات الحاوية على الفيتامينات.
  • ارتفاع كولسترول الدم.
  • أمراض الكبد والكلى.

الفواصل الزمنية لإجراء فحص معدل السكر التراكمي

غالبًا ما يطلب الطبيب إجراء هذه الفحص فور تشخيص الإصابة بالسكري، كما يطلب إجراؤه للمرضى في مرحلة ما قبل السكري. يساعد هذا الفحص الطبيب كونه يشكل قيمةً مرجعيةً تحدد جودة ضبط سكر الدم لدى المريض. أما بالنسبة لتكرارية إجراء الفحص، فيعتمد ذلك على عدة عوامل:

  • نمط السكري: يمكن أن يطلب الطبيب إجراء الفحص 3 إلى 4 مرات سنويًّا في حال الإصابة بالنمط الأول من السكري، أما في حال الإصابة بالنمط الثاني مع الضبط الجيد للحالة فيطلب إجراء الفحص مرتين سنويًّا.
  • جودة ضبط سكر الدم.
  • الخطة العلاجية: عند تغيير الخطة العلاجية يمكن أن تزداد تكرارية إجراء فحص معدل السكر التراكمي، وذلك للاطمئنان إلى أنّ الخطة الجديدة تؤمن ضبطًا جيدًا لتركيز السكر في الدم.

إنّ مضاعفات الداء السكري يمكن أن تمتد لتصيب الكثير من الأعضاء الحيوية في الجسم كالكلى والعينين، لذا من المهم جدًا أن يلتزم المريض بالخطة العلاجية الموضوعة بحذافيرها. حيثُ أن الضبط الجيد لمستويات السكر في الدم هو المفتاح الأهم في تأخير ظهور المضاعفات وإبطاء سرعة تطورها. مع تمنياتنا لكم بدوام الصحة والعافية.