تناولت الكثير من الدراسات والأبحاث الحديثة موضوع التغيرات النفسية للحامل وتأثيرها على الجنين. إذ تمر المرأة خلال مرحلة الحمل بالكثير من التغيرات الجسدية والنفسية، وتعيش مشاعرًا مختلفةً ومتفاوتةً تنتقل فيها بين الإثارة والسعادة بإنجابٍ مولودٍ جديدٍ، إلى الخوف والقلق من الولادة وما يليها من مسؤوليات الأمومة. كما قد ثبت مؤخرًا أن الجنين يتأثر كثيرًا بالحالة النفسية لوالدته السلبية منها والإيجابية. وفي حين تركز المرأة خلال فترة حملها على العناية بصحتها الجسدية، وتوفير الغذاء المناسب لها ولجنينها، فإنها قد تهمل الناحية النفسية تمامًا. إذ قد تجهل ما لها من أثر على صحة جنينها داخل الرحم، وبعد الولادة.

ومن جهةٍ أخرى فإن المرأة تتأثر كثيرًا خلال فترة حملها بالوسط المحيط بها. إذ قد تقود بعض التعليقات السلبية التي تسمعها المرأة الحامل إلى زيادة الضغوط النفسية عليها. كالتعليقات من النساء حولها أنها مازالت في البداية، وأن القادم أصعب. وأنها بعد الولادة قد لا تجد وقتًا للنوم والأكل. وعند التعبير عن مشاعرها وآلامها تُواجه بعباراتً مثل “كل النساء تحمل وتلد”. كل ذلك يضع المرأة تحت جوٍ من الضغوط النفسية الهائلة التي قد تعجز عن مواجهتها منفردةً مهما بلغت من القوة والإرادة. لذا ننصحك سيدتي أن تدعي زوجك لمشاركتك في قراءة سطورنا التالية، حتى يكون على اطلاعٍ بما تمرين به خلال رحلة حملك، بحيث تحصلين على دعمه ومساندته في هذه الرحلة، وبحيث تنجبان معًا مولودًا سليمًا، ذكيًا، وهادئًا.

التغيرات النفسية للحامل

تتأثر الحالة النفسية للمرأة الحامل بالتغيرات الهرمونية التي تحدث في جسدها خلال مرحلة الحمل. وتشمل هذه التغيرات ارتفاع تركيز هرمون الكورتيزون والمعروف بهرمون الضغط، وتركيز هرمون الحمل، وهرمون الأستروجين، والبروجسترون. مما يؤدي إلى ظهور أعراض الحمل كالغثيان والقيء. كما يسبب أيضًا خللًا في المزاج وفي الحالة النفسية. إذ تصبح المرأة أكثر حساسيةً، وأقل صبرًا، وتكون سريعة الانفعال والغضب. الأمر الذي يجعل من حولها يتساءلون باستغرابٍ ما سبب هذه التغيرات المفاجئة. كذلك قد يكون الزوج أيضًا غير مستعدٍ لهذا التغير في الحالة النفسية لزوجته. إذ قد بدأ بالاعتياد معها على روتين حياةٍ معينٍ، وها هي الآن تتجاوز القوانين المتفق عليها، وتقصر في بعض الواجبات. مما يدفع الجميع لإلقاء اللوم عليها، وهذا ما يزيد الأمر سوءًا.

التقلبات المزاجية للمرأة خلال فترة الحمل

تنتقل المرأة خلال فترة حملها بين مشاعر السعادة والفرح ومشاعر الحزن والبكاء خلال فترةٍ قصيرةٍ. كما قد تشعر أحيانًا بفقدان رغبتها بالحمل بدون أي سببٍ، ثم ترتفع معنوياتها وتهبط مجددًا بدون مبرراتٍ، وقد يكون ذلك مرهقًا للغاية. ويرجع ذلك لتغير تركيز الهرمونات الذي يحدث استجابةً لمتطلبات مرحلة الحمل. ويمكن أن تشعر المرأة في هذه المرحلة بـ:

  • السعادة والحماس: تفضل الفتيات منذ طفولتهن الألعاب التي يؤدين فيها دور الأمهات اللواتي يعتنين بصغارهن. فكيف الآن وقد كبرت وتزوجت وها هي تنتظر مولودها الأول لتضمه بين ذراعيها وتمنحه دفئها وحنانها. إن مثل هذه المشاعر الإيجابية لا يمكن أن توصف ولا يمكن أن تتسع لها الكلمات، ووحدها الأم من يشعر بها.
  • الخوف: يعتبر الخوف من المشاعر الطبيعية التي تشعر بها المرأة أثناء فترة حملها، وخصوصًا إذا كان هذا الحمل هو الأول لها. إذ يبدو لها المستقبل مجهولًا فهي تخاف من إيذاء جنينها، وتخاف من الإجهاض، وتخاف من المخاض والولادة مع تقدم الحمل. وقد يكون هذا الخوف مبررًا، إلا أنه إذا تجاوز الحد الطبيعي فقد يصبح هوسًا يقود المرأة إلى التفكير السلبي بشكلٍ دائمٍ، ويجعلها تفقد السيطرة على الكثير من الأمور في حياتها.
  • الانفعال: تسبب أعراض الحمل كالدوار والغثيان والقيء وهبوط الضغط وبعض المشاكل المتعلقة بالبول وغير ذلك شعور المرأة بالضيق بشكلٍ دائمٍ. مما قد يفقدها أعصابها، ويجعلها سريعة الانفعال والغضب بدون أدنى سببٍ، وقد يقودها ذلك إلى اتخاذ موقفٍ سلبيٍ من الحمل.
  • الاكتئاب: يزيد شعور المرأة بمسؤوليتها تجاه الجنين الموجود داخلها وإحساسها أنها ستكون مسؤولةً عنه لبقية حياتها من مشاعر التوتر والضغط النفسي. وإذا لم تتلق المرأة الدعم المناسب في هذه المرحلة فقد تفقد السيطرة على الكثير من مهامها اليومية كالتنظيف وإعداد الطعام وغيرها، مما يجعل المنزل في حالةٍ من الفوضى. وقد تسأل نفسها بعد ذلك إلى ما سيؤول الوضع مع الولادة وازدياد المسؤوليات. كل ذلك من شأنه أن يدخل المرأة في حالة من الاكتئاب المترافق مع الرغبة الدائمة بالبكاء والبقاء وحيدةً، والشعور المستمر بالذنب. وقد تزيد الأجواء الأسرية السيئة والمشاكل الزوجية من هذا الشعور.

تأثير الحالة النفسية للمرأة على الجنين داخل الرحم

كما يتأثر الجنين بالصحة الجسدية للأم، فإنه يتأثر كذلك بصحتها النفسية. حيث تسبب الضغوط النفسية التي تتعرض لها المرأة الحامل الكثير من المشاكل الصحية لها ولجنينها. إذ اثبتت الدراسات أن التوتر الشديد خلال الثلث الأول من الحمل قد يزيد من حدة الأعراض المرافقة للحمل كالغثيان والآلام المختلفة، ويزيد من احتمالية الولادة المبكرة، أو الولادة المعسرة. كما قد يعرض الحامل في بعض الأحيان لخطر الإجهاض.
كذلك فإن القلق والعصبية الزائدة تعني وصول هرمون التوتر إلى الجنين عبر المشيمة، الأمر الذي قد يجعل الجنين أكثر توترًا وحركةً، وقد تكون هذه الحركة مؤلمة للأم أحيانًا. وكلما ازداد الضغط النفسي ازدادت حركة الطفل، فبدلًا من أن ينام بهدوءٍ واطمئنانٍ، تصل إليه هرمونات تسبب له الإزعاج والقلق. وقد يقود الحزن الشديد أحيانًا إلى إضعاف شهية الأم للطعام مما يتسبب بإصابتها بسوء التغذية، وتقل بذلك العناصر المغذية الواصلة للجنين مع الدم، وهذا ما يؤثر سلبًا على جهازه العصبي والمناعي وعلى نموه بشكلٍ عامٍ.

وتشير الدراسات حاليًا إلى أن الضغوط النفسية الشديدة التي تتعرض لها المرأة الحامل قد تتسبب بظهور تشوهاتٍ خلقيةٍ للجنين. إذ يسبب الضغط النفسي ارتفاع هرمون الكورتيزون في الدم، فترتفع نسبة السكر في الدم وتقل نسبة الأكسجين الواصلة للجنين، مما يؤدي إلى ظهور تشوهاتٍ خلقيةٍ لدى الجنين.

تأثير الحالة النفسية للمرأة أثناء الحمل على الطفل بعد الولادة

تلعب المورثات التي يحصل عليها الطفل من والده ووالدته الدور الأكبر في تكوين شخصيته ومزاجه. إلا أن هذه الشخصية تتأثر أيضًا بالبيئة التي توفرها الأم لجنينها وهو لازال داخل رحمها. إذ يختلف مزاج الطفل الذي عاشت والدته فترة حملٍ مستقرةٍ نفسيًا عن نظيره الذي تأثرت أمه بالكثير من المشاعر السلبية والضغوط النفسية. وتشير الإحصائيات إلى أن الطفل الذي عانت والدته الكثير من مشاعر الحزن والقلق والتوتر كان طفلًا عصبيًا للغاية، ينام بصعوبةٍ، كثير البكاء، ويصاب بالكثير من نوبات المغص، كما كان من الصعب جدًا تهدئته. إضافةً إلى ذلك فقد كان هؤلاء الأطفال أقل مناعةً على المدى البعيد وأقل وزنًا عند الولادة مقارنةً بأقرانهم الذين عاشوا فترة حملٍ مستقرةٍ.

نصائح لضبط الحالة النفسية للمرأة أثناء الحمل

قد يؤدي الالتزام ببعض النصائح البسيطة إلى تخفيف حدة التوتر والضغط الذي تعيشه المرأة خلال فترة حملها، وإلى جعل حياتها النفسية أكثر هدوءً واستقرارًا، ومن هذه النصائح:

  • تناولي المكملات الغذائية، والأطعمة الصحية الغنية بالكالسيوم، والتي تساعد في استرخاء العضلات وهدوء الأعصاب بشكلٍ كبيرٍ.
  • قومي بالتخلص من الضغط والتوتر عن طريق ممارسة النشاطات التي تشعرك بالراحة والهدوء كالرسم والغناء وغيره.
  • للرياضة أيضًا تأثير كبير في تحسين المزاج والنفسية وتفريغ الطاقة السلبية، لذا يمكنك ممارسة التمارين الرياضية المعتدلة كالمشي وركوب الدراجة الثابتة. وتعتبر السباحة أكثر الرياضات الملائمة لإزالة التوتر خلال فترة الحمل.
  • يساعدك الحصول على قسطٍ كافٍ من النوم وممارسة بعض تمارين اليوغا، أو الحصول على جلسة تدليك في الاسترخاء وإزالة التوتر.
  • ضعي يديك على بطنك وتحدثي مع طفلك فهذا من شأنه أن يشعرك بالراحة والهدوء ويزيد الترابط بينكما.