يتزايد الاهتمام بالصحة النفسية في عصرنا اليوم بسبب السباق الدائم الذي نعيشه في حياتنا وما له من آثار علينا. ومن أكثر الاسئلة التي يبحث عنها شريحة كبيرة من مختلف المجتمعات هي أعراض الاكتئاب فنسعى لفهم هذه الكلمة التي أصبحت منتشرة على نطاق واسع. لنعرف ما تحمله بين حروفها من مخاوف. وذلك لنساعد أنفسنا وأحبتنا في التعرف على هذه الأعراض للحصول على العلاج بالشكل الأسرع والأنسب. سنتعرف في مقالنا لليوم على تفاصيل مهمة تتعلق بالاكتئاب لنستطيع التمييز بينه وبين الاضطرابات الأخرى.

ما هو الاكتئاب

يعد الاكتئاب أحد أهم الاضطرابات النفسية التي تؤثر على نوعية حياة وصحة المريض، وأكثر هذه الاضطرابات شيوعًا. يختلف الاكتئاب بشكله وأعراضه من مريض لآخر بحسب درجة المرض حيث تتراوح حالة المريض من حالة خفيفة إلى حالات خطيرة وجدية تهدد حياته بعدة أشكال. ينتشر الاكتئاب بين مختلف المجتمعات بغض النظر عن الدين أو العرق أو الثقافة كما أنه ينتشر بين مختلف الأعمار. ويعتبر مرضى الاكتئاب أكثر عرضةً من غيرهم للإصابة بأمراض خطيرة كالأمراض القلبية والداء السكري.

تتعدد مسببات الاكتئاب وتكثر الدراسات والأبحاث العلمية لتحديدها بدقة وتتوفر عدة نظريات تشرح حدوث الاكتئاب بعضها قد أغفل عدة جوانب وبعضها الآخر قدّم شرحًا مقنعًا لمعظم مظاهر الاكتئاب. نظرية المغذيات العصبية أحد أهم هذه النظريات والتي تدعمها العديد من الأدلة.

أعراض الاكتئاب

نتعرض جميعًا لضغوطات مختلفة في حياتنا اليومية، ونختبر مشاعر متباينة بين السلبية والايجابية لذلك تعتبر تغيرات المزاج أمرًا طبيعيًا. فليس كل إنسان حزين هو مريض اكتئاب، وبذات الوقت ليس كل إنسان مبتسم سليم نفسيًا. ولذلك يطرح هنا سؤال مهم وهو متى يجب أن أنظر إلى تغيرات مزاجي على أنها أعراض اكتئابيّة؟! سنتعرف في هذه الفقرة على أهم أعراض الاكتئاب التي يستعين الأطباء بها في التشخيص وتقسم هذه الأعراض إلى:

  • أعراض تتعلق بالمشاعر وتتضمن:

المشاعر السلبية التي يعد أبرزها التعاسة والبؤس بالإضافة إلى انخفاض في الطاقة والنشاط يظهران بشكل خمول واضح. كما نرى التشاؤم الدائم مرافق لمريض الاكتئاب حيث لا يمكنه التفكير بأي أمر دون توقع الأسوأ.

يعامل مريض الاكتئاب نفسه بشكل سيء فينخفض تقديره لنفسه واحترامه لها ويهمل شكله. كما يشعر بعدم كفائته ويلازمه شعور الذنب جرّاء كل ما يحصل حوله مما يجعله مترددًا وفاقدًا للدافع. بالإضافة إلى الأفكار الانتحارية التي تراوده والرغبة بالموت.

  • أعراض بيولوجية وتتضمن:

تراجع ملحوظ في قدرات المريض على التركيز والتذكر مما يؤدي إلى تراجع قدراته على التفكير والفعل السليمين. تلاحظ تغيرات الشهية بشكل شائع في مرضى الاكتئاب وتتنوع حيث يمكن لبعضهم أن يعانوا من فقدان الشهية المزمن مما يسبب نقص في الوزن. ولكن تنعكس هذه الحالة في الاكتئاب اللانموذجي ليتحول المريض للحالة الشرهة ويبالغ في تناول الطعام كما أنه يفرط في النوم. اضطرابات النوم وخصوصًا الأرق منتشرة بين مرضى الاكتئاب مما يسبب لهم التعب والانهاك ويزيد حالة انخفاض الطاقة سوءًا.

مسببات الاكتئاب

تتوفر عدة نظريات تشرح آليات حدوث الاكتئاب كما ذكرنا سابقًا، ويمكن استنباط بعض العوامل التي تلعب دورًا مهمًا في حدوث الاكتئاب،من خلال هذه النظريات بالإضافة للدراسات العديدة التي تبحث في الاكتئاب. ومن أهم هذه العوامل:

  • عوامل بيوكيميائية: الاكتئاب ليس فقط اضطراب في المشاعر والأحاسيس إنما هو مرض مترافق مع تغيرات في كيمياء الجسم من نواقل عصبية وهرمونات، حتى أن هذه التغيرات يمكن أن ترى من خلال تقنيات تصوير حديثة لأدمغة المرضى ويمكن أن يظهر من خلال تخطيط كهربائية الدماغ، التي تعكس التغيرات في النشاط الحاصلة في المناطق المختلفة من الدماغ عند المرضى.
  • العوامل الوراثية: تلعب العوامل الوراثية دورًا مهمًا في حصول الاكتئاب وتطوره، فالعائلة التي يصاب أحد أفرادها بالاكتئاب تكون أكثر عرضة لإصابة الأفراد الآخرين أو تطور درجة المرض لديهم في حال حصوله.
  • الظروف المحيطة: تسهم ظروف الإنسان بشكل واضح في تحديد حالته النفسية، وتختلف هذه الحالة باختلاف آليات التفكير لدى كل منا والتي تحدد كيفية تعامله مع المشكلات وحلها. في حال وجود خلل في آلية التفكير هذه ستتوفر بيئة أفضل لحصول الاكتئاب. كما تلعب الأمراض المزمنة دورًا في بعض الحالات لما لها من تأثيرات كبيرة على الحالة النفسية. ومن الجدير بالذكر أن الاكتئاب يمكن أن يحصل كأثر جانبي لبعض الأدوية بالإضافة إلى أن نمط الغذاء الذي يمكن أن يتدخل بالإمراضية.

علاج الاكتئاب

يختلف العلاج المناسب للاكتئاب بحسب حالة المريض ودرجة المرض، ففي الحالات الخفيفة للمتوسطة يلجأ الأطباء إلى إقناع المريض بإحداث تغييرات في نط حياته، كالبدء بممارسة الرياضة وقضاء الوقت مع العائلة والأصدقاء وممارسة نشاط جديد. كما يوجهونه للحصول على العلاج المعرفي السلوكي.

أما في الحالات المتوسطة التي تتجه نحو التفاقم وفي الحالات الشديدة يصبح العلاج الدوائي أمرًا ضروريًا للحفاظ على صحة المريض وحياته. يختار الطبيب النفسي الدواء المضاد للاكتئاب المناسب لمريضه بحيث يؤمن له الفعالية الأنسب لحالته وبأقل آثار جانبية، وذلك للوصول إلى الشفاء بالطريقة الأكثر أمانًا. أشهر المجموعات الدوائية المضادة للاكتئاب:

  • مثبطات إعادة قبط السيروتونين الانتقائية (SSRIs): والتي تعد الأكثر استخدامًا بسبب آثارها الجانبية الأكثر تحملًا.
  • مثبطات إعادة قبط السيروتونين والنورابنفرين (SNRIs)
  • مضادات الاكتئاب ثلاثية الحلقة (TCA)

مثبطات أنزيم مونوأمين أوكسيداز (MAOIs)

ما هو العلاج المعرفي السلوكي

العلاج المعرفي السلوكي هو أحد طرق العلاج النفسي المستخدمة لتدبير العديد من الاضطرابات النفسية. يتولى هذه المهمة المعالج النفسي وهو شخص حائز على إجازة في علم النفس وتتم هذه المعالجة من خلال الحوار بين المريض والمعالج حيث يحاول المعالج مساعدة المريض في تعلم طريقة تفكير إيجابية تساعده في مواجهة ظروف حياته الصعبة أو ما تعرّض له في الماضي من مصاعب.

دور العلاج المعرفي السلوكي مهم جدًا في تسريع الشفاء كما أنه يدعم تأثير الأدوية المضادة للاكتئاب ويساعد المرض على تجاوز المرض وتقليل النكس حتى بعد ترك الأدوية، وذلك لأنه يقوم بإرشاد المريض ليستطيع فهم نفسه بشكل أوضح مما ينعكس ايجابًا على صحته النفسية.

صحتنا النفسية بالغة الأهمية كما هو الحال بالنسبة للصحة الجسدية، لأن المرض النفسي سيؤثر عاجلًا أم آجلًا في الجسد فيجعله منهكًا تغزوه العلل، كما أن النفس المريضة تحرم من جمال الحياة ومتعة العيش وتؤثر على المجتمع ككل، لذلك من واجبنا الانتباه إلى دعم صحتنا النفسية واللجوء إلى الطبيب المختص في حال وجود أي عرض يستدعي القلق، لأن الطبيب النفسي هو الوحيد القادر على تشخيص المرض النفسي بشكل صحيح وبالتالي الوحيد القادر على وصف الدواء المناسب. المرض على اختلاف نوعه لم يكن ولن يكون يومًا أمرًا معيبًا لذلك لا تتردد يومًا ما بطلب المساعدة للحفاظ على صحتك النفسية والجسدية.