يعد الوجه مرآةً للجسم، إذ تظهر عليه علامات الجمال والنضارة كما تظهر علامات الشيخوخة والترهل. بالإضافة إلى علامات الأمراض الداخلية، وسنتحدث في هذا المقال عن أشيع مرض يسبب شحوب الوجه. وهو مرض فقر الدم وسنتحدث عن الأسباب، والأعراض وطرق العلاج. ولفهم المرض بشكلٍ جيّد سنتحدث في البداية عن الفيزيولوجيا الطبيعية لتشكل الدم.

يبدأ تشكل الدم عند الجنين في الأسبوع الثالث من الحياة الرحمية، ثم يبدأ تشكل الدم في الكبد منذ الشهر الثاني. بحيث يكمل نقي العظم هذه المهمة بدءًا من الشهر الثالث ليصبح المكون الأساسي لتصنيع الكريات البيضاء والحمراء. كما يلعب الطحال دورًا في إنتاج الكريات الحمراء بشكل خاص منذ بداية الشهر الرابع من الحياة الجنينية. ونظرًا لشكل الكرية الحمراء (قرص مقعر الوجهين)، فإنها قادرة على تغيير شكلها مما يسهل عليها المرور عبر الأوعية الشعرية. إذ تتكون من غشاء ومحتوى يتكون من خضاب، وهذا الأخير يتكون من الهيم والغلوبين (بروتين).

تعريف الأنيميا أو فقر الدم

يكون الخضاب مرتفعًا عند الولادة ويكون في أدنى مستوياته الفيزيولوجية في عمر 3 أشهر. في حين يعاود الارتفاع ليصل إلى مستواه عند البالغ بعمر السنة. وكقيم مرجعية، يبلغ خضاب الوليد 16ملغ/دل، بينما خضاب طفل أتم عمر 6 أشهر هو 11ملغ/دل. وفي حال كان العمر فوق عمر السنة يصل الخضاب وسطيًا حتى 12 ملغ/دل. ولا شك أن تلك القيم متباينة وتختلف تبعًا للجنس.
فقر الدم أو الأنيميا هو الحالة المرضية التي تترافق مع انخفاض مستوى الخضاب في الدم إلى أقل من 10 ملغ/دل. ويتسع التعريف ليشمل انخفاض في عدد الكريات الحمراء إلى أقل من 4 مليون/لتر كرية. بينما ينخفض الهيماتوكريت إلى أقل من 35%، ولكن هذا يعود للقيم الطبيعية لكل فئة عمرية. كما وينتشر فقر الدم عالميًا وأكثر ما يصيب الأطفال والنساء.

يلاحظ بعد الولادة وجود الخضابات التالية: HbF وهو الخضاب الجنيني الأساسي في الحياة الجنينية، وهناك الخضاب الكهلي HbA1 ويشكل نسبة 98% بعد عمر 6 أشهر. وبسبب حدوث اضطرابات تصيب الصفات الكيميائية والفيزيولوجية لبروتينات تلك الخضابات. فإنه يتشكل لدينا ما يسمى باضطرابات الدم الوراثية.

ما أسباب فقر الدم

ينتشر مرض فقر الدم بشكلٍ كبير على مستوى العالم، ونظرًا لذلك يولى اهتمامًا كبيرًا. إذ يعتبر الجهاز الدموي الأساسي المحرّك في الجسم. وبقدر ما يكون سليمًا بقدر ما يحافظ على صحة الإنسان ضمن المستوى المطلوب.
يمكن تصنيف أسباب فقر الدم اعتمادًا على الآلية الإمراضية إلى:

  • فقر الدم بسبب النزوف: وتقسم إلى النزوف الحادة (الرضوض والجروح)، والنزوف المزمنة (فقر دم بعوز الحديد).
  • فقر الدم بسبب سوء تشكل الكريات الحمراء: وهذا يصنف إلى فقر الدم اللامصنع الوراثي (فقر دم فانكوني) وهنا سوء تشكل جميع عناصر الدم. بالإضافة إلى فقر الدم اللامصنع المكتسب
  • فقر الدم بسبب خلل في الأريتروبيوتين: والذي هو هرمون يفرز من الكلية ويحرض نقي العظم على تشكل الكريات الحمراء.
  • فقر الدم بسبب عوز بعض العناصر النوعية: ويقسم إلى فقر الدم كبير الخلايا (عوز فيتامين B9+B12)، وفقر الدم صغير الخلايا (فقر الدم بعوز الحديد والنحاس).
  • فقر الدم الانحلالي: قد يكون خللًا أو عوزًا في تشكل البروتين، أو في إصابة الغشاء، أو في تشوه شكل الكرية الحمراء. وهذا يطلق عليه فقر دم انحلالي وراثي المنشأ. وعلى سبيل المثال (داء تكور الكريات الوراثي، والتلاسيميا، وفقر الدم المنجلي). أما فقر الدم الانحلالي المكتسب كما يحدث في عوز بعض الفيتامينات، أو التسممات واللدغات، أو بسبب العوز المناعي، كما بسبب الإنتانات.
  • فقر الدم الفيزيولوجي: كما عند الولدين، أو فقر الدم المبكر عند الخدّج (الأطفال قبل تمام 9 أشهر حملية).
  • فقر الدم لأسباب أخرى: ونذكر على سبيل المثال: إنتانات حادة شديدة، وبعض الابيضاضات والأورام الدموية، والحروق أيضًا.

ما التظاهرات السريرية لفقر الدم

تتنوع الأعراض السريرية وتختلف تبعًا لشدة فقر الدم وقيمة الخضاب في الجسم. ونذكر من أهم الأعراض السريرية ما يلي:

  • العلامات الجلدية: يعدّ شحوب البشرة من أهم أعراض فقر الدم بشكلٍ عام. إذ يتركز في الأغشية المخاطية للفم والشفاه كما الملتحمة وراحة اليدين.
  • العلامات الهضمية: نظرًا لامتصاص الحديد من الجزء العلوي للأمعاء الدقيقة فإن فقر الدم يعطي بعض المظاهر الهضمية. ومنها: صعوبة البلع، ونقص الشهية، وشذوذات التذوق.
  • العلامات القلبية: تنخفض أثناء فقر الدم كمية الدم التي تصل إلى القلب. وهذا ما يفرض على العضلة القلبية العمل بشكل مضاعف لإيصال كمية الدم اللازمة إلى أنحاء الجسم مما ينتج عنه تسرع القلب.
  • العلامات التنفسية: وكآلية معوضة لفقر الدم يزيد جهاز التنفس عدد مرات التنفس والذي يتظاهر سريريًا على شكل زلة تنفسية.
  • العلامات العصبية: يدخل حمض الفوليك في تشكيل نواة الخلية العصبية. لذلك يتأثر الجهاز العصبي في حال فقر الدم الشديد. ونذكر أهم تلك الأعراض: نقص الانتباه، وضعف في التركيز، والوهن العام. وقد يتأثر مستوى الذكاء أيضًا.

كيفية تشخيص فقر الدم

لحسن الحظ فإن الأدوات التشخيصية لتحديد ففر الدم متوافرة في أي مشفى صحيّ. ونذكر أهم طرق التشخيص:

  • الموجودات المخبرية: تنخفض قيمة الخضاب دون 10 ملغ/دل وقد تصل حتى 3-4 ملغ/دل في بعض الفاقات الانحلالية. كما تنخفض قيمة MCV (حجم الكرية الحمراء الوسطي). بالنسبة إلى حديد المصل والفيرتين فإنهما ينخفضا أيضًا. بينما الشبكيات تبقى طبيعيةً نوعًا ما.
  • اللطاخة الدموية المحيطية: والمقصود باللطاخة طبقة رقيقة من الدم تفرد بطريقة مسطحة على شريحة زجاجية. ومن ثم تُلون وتُقرأ موجوداتها تحت المجهر من قبل طبيب مختص. إذ تظهر حجم الكريات الحمراء مع كمية الصباغ الدموي الموجود.
  • بزل نقي العظم: يلاحظ صغر حجم الأرومات الحمراء مع ملاحظة نضوب متفاوت في مخازن حديد النقي. كما يمكن الكشف من خلال خزعة العظم على وجود أمراض الدم الخطيرة وأهمها السرطانات.

فقر الدم بعوز الحديد عند الأطفال

يعد فقر الدم بعوز الحديد أكثر أنواع فقر الدم انتشارًا عند الأطفال والفتيات. إذ يزداد بين عمريّ الـ 16 شهرًا والسنتين. نظرًا لزيادة الحاجة من الحديد في أثناء هذه الفترة من النمو السريع.
وإن تساءل البعض لم لا يظهر فقر الدم قبل عمر الـ 16 شهرًا؟ إليكم الجواب: إن وجود بعض الهرمونات مثل اللاكتوفينين الموجود في حليب الأم يؤخر ظهور فقر الدم عند رضّع الحليب الوالدي. ولا سيّما أنه تبلغ حاجة الطفل اليومية للحديد 1ملغ/كغ/يوم.
ومن أهم أسباب فقر الدم بعوز الحديد عند الأطفال:

  • نقص مخزون الحديد عند الأم طيلة فترة الحمل.
  • استخدام حليب البقربشكل معتمد عليه من قبل الأطفال الصغار.
  • تناول بعض المشروبات أو الأطعمة التي تعيق امتصاص الحديد مثل الشاي المرغوب جدًا من قبل الأطفال.
  • النزوف ولا سيما عند الأطفال بعد عمر السنتين.
  • سوء امتصاص الفيتامينات والحديد مثل الداء الزلاقي (عدم تحمل مادة الغلوتين الموجودة في القمح).
  • سوء التغذية المنتشر عالميًا.

علاج فقر الدم

يعتمد علاج فقر الدم على شدة الأعراض السريرية وقيم الخضاب في الدم. وتختلف المعالجة حسب السبب الرئيسي. ونذكر عدة طرق للعلاج منها:

  • الاعتماد على تنوع الأغذية والإكثار من الألياف الغذائية وخاصةً الخضار والبقوليات. بالإضافة إلى الفيتامينات الضرورية للجسم.
  • تجنب المشروبات الغازية والكحول والمنبهات والأطعمة التي تعيق امتصاص الحديد.
  • المعالجة بمركبات الحديد حسب الحاجة اليومية. وتستمر المعالجة بالحديد مدة 6-10 أسابيع بعد بلوغ قيمة خضاب طبيعية.
  • قد ينقل الدم حسب الزمرة عند انخفاض قيم الخضاب إلى 6 ملغ/دل.
  • بالنسبة إلى فاقات الدم الانحلالية تعالج مباشرةً بالإماهة الوريدية ونقل الدم حسب قيم الخضاب.

وصفات طبيعية لعلاج فقر الدم خلال أسبوعين

يبحث الكثير من الناس عن طرق لعلاج فقر الدم بشكلٍ سريع وبوصفات تتوافر في أي منزل. نذكر أهم تلك الوصفات:

  • اخلط ملعقتين من العسل وملعقة من مطحون الحلبة وتناول المزيج قبل وجبة الفطور يوميًا.
  • اطحن حبة شمندر مع تفاحة وماء وامزجهم في الخلاط، وتناول ملعقةً واحدةً يوميًا قبل النوم.
  • اغلِ البفدونس مع الماء والحصول على معقد البقدونس، وخذ منه كأسًا صغيرةً على الريق بشكلٍ يومي.
  • احصل على سلطة الفواكه المتنوعة يوميًا ممزوجةً مع عصير البرتقال.

والخلاصة، اجعل من نمط غذائك المتنوع وحماية صحتك سلاحًا لمحاربة فقر الدم. ولكونه مرضًا مزعجًا أكثر من كونه خطيرًا، احرص دومًا على مراقبة قيم خضابك باستمرار والمعالجة الفورية عند انخفاضه أو ظهور عرض مزعج قد يرافقك دومًا.