هل سبق وسمعت عن الخرف الشيخي؟ أتعلم ما هو الخرف الجبهي الصدغي؟ وهل يوجد فرق بينه وبين داء الزهايمر؟
تعتبر مرحلة الشيخوخة من أكثر المراحل حساسيةً في حياة المرء. فعلى الرغم من تطور العلوم وتقدم الطب بشكلٍ كبيرٍ، ما تزال هناك بعض الأمراض التي يصاب بها المسنون، ولم يجد لها الأطباء سببًا مباشرًا، وبالتالي علاجًا جذريًّا. ونخص بالذكر الأمراض الناجمة عن الاضطرابات النفسية، أو الاعتلالات العصبية الدماغية.
على سبيل المثال الخرف بأنواعه المتعددة كالخرف الوعائي، والخرف المختلط، والخرف الجبهي الصدغي. والذي يزيد ضرورة الاهتمام بهذا النوع من الأمراض هو الارتفاع السنوي لمعدلات الإصابة بها عالميًّا، ولا سيّما في البلدان النامية، الضعيفة اقتصاديًّا. بالإضافة إلى ذلك يواجه الكثير من الشعوب حتى في أيامنا هذه مشكلة عدم تقبل هذا النوع من الأمراض، والتعامل معها على أنّها مشكلة صحيّة تحتاج إلى رعاية طبية من أطباء مختصين نفسيين وعصبيين. إذ يرفض المريض أو حتى أقرباؤه زيارة الطبيب النفسي للمساعدة في تشخيص الحالة ومحاولة إيجاد علاج مناسب لها.
في مقالنا هذا سنتحدث بالتفصيل عن الخرف الجبهي الصدغي لكونه أحد الأمراض غير الشائعة أو غير المعروفة لدى الكثيرين. وسنتعرف على أهم أعراضه، وطرق تشخيصه.

ما هو الخرف الجبهي الصدغي

مصطلحٌ يجمع كل الاضطرابات التي تصيب الدماغ في الفصين الجبهي والصدغي، وهو مرض غير شائع. من المعروف أنّ هاتين المنطقتين من الدماغ ترتبطان بشكلٍ أساسيٍّ بسلوك الشخص، وشخصيته، وطريقة كلامه. لكن في حال الإصابة بالمرض، يحدث ضمور لهما (أي الفصين الجبهي والصدغي)، ويترافق ذلك بالكثير من الاضطرابات أهمّها مشاكل في النطق والكلام، وتغيرات جذرية في شخصية المريض. على سبيل المثال يصبح الشخص اندفاعيًّا بطريقة عدوانية، أو قد يتصرف تصرفات غير مرغوبة وغير ملائمة اجتماعيًّا. بالإضافة إلى ذلك سيصبح المريض غير مبالٍ من الناحية العاطفية، وقد يتحول أقرب شخصٍ له إلى عدوّه اللدود!
من ناحية أخرى يشخص المرض عادةً على أنّه “مرض الزهايمر”. لكن الفرق بينهما هو أنّ الخرف الجبهي الصدغي يمكن أن يبدأ لدى المريض في سن 40 إلى 65 عامًا، ومع التقدم في العمر تزداد حدة الاضطرابات، إذ يستفحل التلف في الخلايا الصدغية والجبهية.

أعراض مرض الخرف الجبهي الصدغي

بشكلٍ عام تختلف الأعراض من مريضٍ لآخر، بحسب درجة تفاقم المرض، لكن في النهاية سيتحول الخرف الجبهي الصدغي إلى خرفٍ عام، وسيؤثر على مناطق عديدة من خلايا الدماغ.
بدايةً وكما ذكرنا سابقًا، يحدث التأثير في هذا النوع من الخرف على وظائف السلوك والشخصية، بالإضافة إلى اللغة والكلام، في حين أنّ المريض لا يعاني من أية مشاكل في الذاكرة (وخصوصًا البعيدة)، إذ إنّه يتذكر أدّق التفاصيل للأحداث القديمة بالتاريخ والوقت والمكان. لكنه سيعاني من مشاكل في التفكير المجرد، بالإضافة إلى ذلك قد يواجه صعوبةً في ربط الأفكار بطريقة صحيحة، أو إجراء عملٍ ما وفق تسلسلٍ صحيحٍ. علاوةً على ذلك يتصف مريض الخرف الجبهي الصدغي بقلة التركيز، فمن السهل تشتيت انتباهه بأي شيءٍ.
من ناحية أخرى مع التقدم في العمر تزداد أعراض المرض، وقد تؤثر بعض الأدوية في حدوث إصابة للعضلات، حيث تصبح ضعيفةً، وقد يصاب بعضها بالضمور. أيضًا في المراحل المتقدمة، يواجه المريض مشاكل في البلع والمضغ، وفي بعض الأحيان سيحتاج إلى رشف الطعام، إذ لا يمكن أن تجري أي عملية مضغ، وقد يصعب البلع بشكلٍ كبيرٍ.
ويمكن تقسيم أعراض المرض إلى صنفين:

  • تغيرات في الشخصية والسلوك: يمكن وصف هذه التغيرات بأنّها انقلاب جذري في الشخصية إلى حَدِ ما يُسمى (الجنون). بمعنى أنّ المريض سيكون غير مسؤول عن تصرفاته، ففي بعض الأحيان قد يتصرف بشكلٍ فظٍ وغير لائق، بالإضافة إلى ذلك قد يزداد اهتمامه بالجنس بشكل غير مرغوب وغير طبيعي. أيضًا ستزداد لديه السلوكيات الاندفاعية القهرية، مع تكرار بعض الأفعال بشكل لا إرادي، فعلى سبيل المثال في بعض الأحيان سترى المريض يلعق شفتيه، أو يلتقط أي شي ليضعه في فمه، أو يمكن أن تجده يصفق أو يتلمظ بشكلٍ مستمرٍ. ليس هذا فحسب، بل إنّ مرضى هذا النوع من الخرف تزداد شراهتهم للطعام، ومن الممكن أن تجد المريض يطلب نوعًا واحدًا من المأكولات (وخاصةً الحلويات) ويأكلها بشكل مستمر وبطريقة مفرطة ودون شبع. والجدير بالذكر أيضًا أنّ مرضى الخرف الجبهي الصدغي يهملون نظافتهم بشكل كبير، ويمكن ألّا يتقبلوا مساعدةً من أحد أو أي انتقاد بشأن النظافة.
  • مشكلات في اللغة: إذ يواجه المرضى صعوبةً في استخدام الكلمات وتذكرها، أو حتى فهمها، وهذه الحالة تسمى (الحُبسة). لكن في بعض الحالات سترى أنّ المريض يتكلم بطلاقة، غير أنّ الكلام سيكون بلا معنى (قد تكون جملًا متتاليةً غير مترابطة لا توصل لمعنى مفهوم، وغالبًا يكون المريض قد سمعها مسبقًا وبدأ بتكرار ما يتذكر منها). وآخرون يعانون مما يسمى (حُبسة التسمية)، سيكون من الصعب على المريض أن يتذكر أسماء الأشياء، وسيستبدل الاسم بكلمات معينة مثل (هذا، هذه…إلخ). في مراحل متقدمة سيصبح غير قادر على تمييز الوجوه (عمه الوجوه).

تشخيص مرض الخرف الجبهي الصدغي

يجري التشخيص بتقييم من الطبيب النفسي أو العصبي وبإجراء التصوير بالرنين المغناطيسي. لكن يستند الطبيب قبل تأكيد الإصابة بالمرض وإرسال المريض لإجراء التصوير إلى ما يلي:

  • يسأل الطبيب أحد أفراد الأسرة، أو القائمين على رعاية المريض بعض الأسئلة حول الأعراض التي يعاني منها المريض، مثلًا ( أحدثَ أي تغيير في سلوك المريض؟ وهل تحوّل إلى شخص غير لائق في كلامه؟ أيتكلم كلامًا غير موزون؟ هل ظهرت لديه فجأةً ميول عدوانية وتصرفات قهرية متكررة؟).
  • الفحص السريري.
  • اختبار الحالة الذهنية.
  • أحيانًا قد يلجأ الطبيب إلى إجراء اختبار تفصيلي (عصبي نفسي)، وهذا النوع من الاختبارات يغطي جميع وظائف الدماغ بما في ذلك المزاج، وقد يستغرق حوالي 3 ساعات. ويساعد هذا الاختبار في تفريق الخرف عن غيره من الأمراض العصبية والنفسية.

وبناءً على ما سبق يكوّن الطبيب صورةً أوليةً حول حالة المريض، ثم يرسله لإجراء الرنين للتأكد من إصابة منطقة الفصين الجبهي والصدغي.

 

علاج الخرف الجبهي الصدغي

لا يوجد علاج محدد للمرض، وتعتمد المعالجة بشكل أساسي على تخفيف الأعراض، وتقديم الدعم للمريض. في الحقيقة ليس من السهل أبدًا التعامل مع مريض الخرف الجبهي الصدغي، هو من الأمور المرهقة التي قد تسبب الاكتئاب لمقدم الرعاية في بعض الأحيان، ولاسيما أنّ الاضطراب السلوكي للمريض تتغير أعراضه وتتفاقم مع مرور الوقت، لذا من المهم جدًّا فهم طبيعة المرض ومضاعفاته بشكلٍ جيّدٍ، حتى تستطيع التعامل مع المريض. سيكون من الضروري توفير بيئة ملائمة، تبعث على الهدوء والطمأنينة، لأنّ هذا أكثر ما يحتاجه مريض الخرف ليشعر بالأمان والاستقرار. أيضًا يجب أن يحاول مقدم الرعاية تنظيم حياة المريض لتصبح شبه روتينية بحيث يعتاد فيها على مواعيد محددة للطعام، أو الاستحمام وغيرها من النشاطات اليومية. من المهم كذلك التركيز على تقديم مهام معينة للمريض، على أن تكون ممتعةً ومفيدةً (مثلًا الدخول في مباراة شطرنج مع المريض)، ومع التقدم في العمر يجب تقسيم المهام ومحاولة تبسيطها.

معدلات الإصابة بالخرف عالميًّا

هناك ما يقارب 47 مليون مريض خرف (بمختلف أنواعه) حول العالم، ونصفهم يوجد في البلدان النامية الضعيفة اقتصاديًّا. ويشهد العالم سنويًّا حوالي 7 مليون حالةً جديدةً مصابةً بالمرض. وتشير الإحصائيات إلى أنّ معظم المسنين المصابين بالخرف يبدأ لديهم المرض في سن 60 إلى 65 عامًا. ومن المتوقع أن يرتفع عددهم إلى 75 مليون مريض في عام 2030.

وختامًا، إن الأمراض التي تصيب المسنين عديدة ومتنوعة، وأصعب أنواعها هو ما يصيب الدماغ فيؤثر على التصرفات والكلام، إذ إنّ المريض يصبح غير مدرك لما يفعله، وقد ينسى كل الأشخاص من حوله، لذا من الضروري فهم أسباب وأنواع الخرف الشيخي، ليحظى المُسن بالرعاية المطلوبة.