قد يصطدم الزوجان أثناء رحلتهما لإنجاب مولودٍ جديدٍ بحاجز الإجهاض المتكرر، وعندها لا بد أن يتسألا ما أسباب الإسقاطات المتكررة التي تحصل لجنينهما. وكيف يمكن تفادي هذه الأسباب حتى يتمكنا من إنجاب المولود الذي انتظراه منذ زمن. ويمكن تعريف الإسقاط أو الإجهاض بأنه فقدان الحمل وخسارة الجنين سواء عن طريق توقف نمو الجنين ووفاته داخل رحم الأم بشكلٍ تلقائيٍ، أو عن طريق نزعه وإخراجه بشكلٍ متعمدٍ. وغالبًا ما يستخدم مصطلح الإسقاط (الإجهاض) للدلالة على النوع المتعمد منه. في حين يستخدم مصطلح الإخفاق للدلالة على النوع التلقائي منه. ولكن الشائع حاليًا في الاستخدام الطبي والعامي استعمال مصطلح الإجهاض بمعنى خسارة الجنين بغض النظر عن كيفية خسارته.

ويعرف الإسقاط المتكرر Recurrent miscarriage بأنه فقدان حملين متتابعين أو أكثر. ويصيب الإجهاض حوالي عشرةً بالمئة من النساء الحوامل سنويًا، بينما يصيب الإجهاض المتكرر ما نسبته ثلاثةً بالمئة منهن فقط. وعلى الرغم من أن الإجهاض يعتبر تجربةً شائعةً، إلا أن ذلك لا يجعل منه أبدًا تجربةً سهلةً. بل يبقى الإجهاض تجربةً مؤلمةً تؤرق الأم وتسبب لها الكثير من الآلام الجسدية والنفسية. وسواءً كنت عزيزي القارئ رجلًا أو امرأةً، فلا بد أن موضوع الإسقاط يعنيك بشكلٍ أو بآخر. لذا دعنا نتعرف معًا على أسباب الإسقاطات المتكررة، والآلية المتبعة في عالجها.

أسباب الإسقاطات المتكررة

لا يعني الإجهاض المتكرر عدم قدرة المرأة على الإنجاب، إنما يدل على وجود مشكلةٍ تعاني منها المرأة أثناء مرحلة الإباضة، أو أثناء مرحلة التخصيب تمنع نمو الجنين داخل الرحم كما هو الحال في الوضع الطبيعي، وتؤدي إلى وفاته. وتحدث معظم حالات الإجهاض قبل نهاية الشهر الثالث من الحمل. وتوجد أسباب عديدة للإجهاض المتكرر، منها ما هو مرتبط بالوراثة وبالجينات الشاذة، ومنها ما هو مرتبط بالهرمونات، ومنها ما هو مرتبط بمشاكل الرحم. إضافةً إلى بعض حالات العدوى الفيروسية والجرثومية، وبعض أنواع الأمراض التي قد تصاب بها المرأة، ونمط الحياة اليومية. وفي أغلب الحالات يكون من الصعب معرفة السبب وراء الإسقاط المتكرر. حيث يعتبر حوالي خمسًا وسبعين بالمئة من حالات الإجهاض المتكرر مجهولة السبب.

عوامل وراثية وجينية مسببة للإجهاض المتكرر

تتأثر كافة التفاصيل المرتبطة بالحمل بشكلٍ كبيرٍ بالعوامل الوراثية، فإذا كانت الأم قد عانت من الإجهاض المتكرر قبل ولادتها لابنتها، فمن المرجح أن تعاني الابنة أيضًا من خطر الإجهاض المتكرر. ولكن ضمن ظروفٍ معينةٍ، وتحت تأثير مجموعةٍ من العوامل والمحفزات. كذلك يسبب شذوذ الجينات ما نسبته خمسين بالمئة من حالات الإجهاض التلقائي. إذ يسبب هذا الشذوذ أخطاءً أثناء انقسام خلايا الجنين ونموه. وتظهر أعراض هذا الشذوذ على شكل:

  • بويضةٍ تالفةٍ، وفيها لا يتكون الجنين.
  • موت الجنين داخل الرحم. حيث يتوقف نمو الجنين قبل أن تظهر أية أعراضٍ للحمل على المرأة.
  • الحمل العنقودي، وفيه يكون الحمل مصحوبًا بنموٍ غير طبيعيٍ للمشيمة ولكن بدون نمو الجنين.

عوامل هرمونية مسببة للإجهاض المتكرر

يتأثر الحمل بشكلٍ كبيرٍ بتراكيز الهرمونات التي تفرزها الغدد الصماء ضمن مجرى الدم. وتؤدي المستويات غير الطبيعية للهرمونات إلى حدوث خللٍ في بطانة الرحم. حيث يتسبب التركيز المرتفع لهرمون الحليب في إعاقة نمو بطانة الرحم بالشكل الطبيعي، وهذا ما من شأنه أن يقلل من قدرة البويضة المخصبة على الانغراس في الرحم. وتشير الإحصائيات إلى أن النساء اللواتي يعانين من داء السكري، أو من مشاكلٍ في الغدة الكظرية، أو في الغدة الدرقية هن أكثر عرضةً للإصابة بخطر الإجهاض المتكرر من نظيراتهن الأخريات اللواتي لا يعانين من هذه الأمراض.

مشاكل الرحم المسببة للإسقاطات المتكررة

يعتبر شكل الرحم غير الطبيعي واحدًا من أسباب الإجهاض المتكرر، حيث يمنع انغراس البويضة المخصبة فيه بالشكل السليم. ومن مشاكل الرحم وجود حاجزٍ ليفيٍ يقسمه من الداخل إلى قسمين، أو وجود أورامٍ رحميةٍ غير سرطانيةٍ، أو انقلاب الرحم ليكون على شكل حرف T نتيجة التعرض لبعض المواد الكيميائية حيث تؤثر هذه المشاكل على الأداء الوظيفي لبطانة الرحم وتعيق انغراس البويضة فيها. كذلك يعتبر قصور عنق الرحم من أسباب الإسقاط المتكرر، وفيه تكون عضلة عنق الرحم ضعيفةً وغير قادرةٍ على البقاء مغلقةً مع زيادة وزن الجنين. كما أن بعض السيدات قد تعانين من مشكلة بطانة الرحم المهاجرة والتي تسبب صعوبةً في حدوث الحمل، ثم تسبب الإجهاض المتكرر في حال حدوث الحمل.

العدوى الفيروسية والجرثومية المسببة للإجهاض المتكرر

قد تسبب بعض أنواع الفيروسات التي تصيب المهبل، أو عنق الرحم، أو بطانة الرحم ضررًا في نمو الجنين مؤديةً إلى إجهاضه بشكلٍ متكررٍ. ومن هذه الفيروسات فيروس الحصبة الألمانية، وفيروس الهربس، وفيروس الليستيريا، وفيروس داء القطط. حيث تنتقل هذ الفيروسات إلى الجنين وتمنع اكتمال تشكل أعضاءه الحيوية.

مشاكل الجهاز المناعي المسببة للإجهاض المتكرر

هناك بعض الأسباب المتعلقة بجهاز الأم المناعي والتي تؤدي للإسقاط. حيث أن نصف الجنين يأتي من الرجل، فعلى جسم الأم أن يتقبل ذلك الجزء الغريب بدون أن يهاجمه. وفي حال حدوث خللٍ في جهاز المناعة فإن جسم الأم سيعتبر الجنين جزءًا غريبًا ويعمل على محاربته ورفضه، وتكون النتيجة الإسقاط المتكرر. ومن الاضطرابات التي تصيب الجهاز المناعي متلازمة أضداد الشحوم الفوسفورية، والذئبة الحمامية الجهازية. وتعمل هذه الاضطرابات على جعل الدم أكثر لزوجةً مما يؤثر في قدرته على الوصول إلى الطفل عبر المشيمة. كما قد تسبب هذه الاضطرابات تشكل الجلطات في المشيمة أيضًا، وكل ذلك يمنع وصول العناصر الغذائية اللازمة للجنين مما يؤدي إلى حدوث الإسقاط المتكرر.

بعض الأمراض المسببة للإجهاض المتكرر

قد تتسبب بعض الأمراض التي تصيب المرأة في حدوث الإجهاض المتكرر مثل:

  • تكيسات المبايض: وتعتبر سببًا رئيسيًا في تأخير الحمل، وفي حال حدوث الحمل ستكون هذه التكيسات سببًا في إسقاطه.
  • التهابات مهبلية: تتسبب الالتهابات المهبلية في سقوط الجنين، وقد لا تلاحظ الأم أي شكوى، فلا يكتشف الالتهاب، ثم يتكرر الحمل دون علاج، ويتكرر الإسقاط من جديد.

لا يقتصر الأمر على الوضع الصحي للمرأة فقط، فقد يكون لصحة الرجل ولصحة حيواناته المنوية دورًا كبيرًا في عملية الإجهاض. إذ قد تنجح الحيوانات المنوية في تخصيب البويضة وتكوين الجنين داخل الرحم، ولكن عندما تكون هذه الحيوانات ضعيفةً فإن ذلك لا يسمح بتطور الجنين بالشكل الملائم داخل رحم الأم مما يؤدي إلى سقوطه.

علاج الإسقاطات المتكررة

لا يوجد علاج للنساء اللواتي يعانين من الإسقاطات المتكررة مجهولة السبب. إنما ينصح المرضى بمحاولة الحمل مجددًا، ويمكن أن ينجح الحمل التالي بنسبة ستين بالمئة بدون أي تدخلٍ علاجيٍ. وبرغم ذلك فإن كل فقدان حملٍ إضافيٍ يتسبب بنقصان احتمالية حصول حملٍ ناجحٍ مستقبلًا ويزيد من الخطر النفسي والجسدي على الأم. ومن جهةٍ أخرى فهناك العديد من الإجراءات المتبعة للتغلب على الإجهاض المتكرر معروف السبب، ومنها:

  • التخصيب الاصطناعي في المختبر: حيث تعطى المرأة حقنة لتفجير المبايض مسببةً نمو العديد من البويضات في المبيض، ثم تسحب هذه البويضات بعمليةٍ جراحيةٍ بسيطةٍ، ويحقن حيوان منوي واحد في كل بويضة منها، ثم توضع في ظروفٍ مناسبةٍ لنمو الجنين. بعد ذلك تحلل خلية واحدة من الجنين للتأكد من سلامة التركيب الجيني، ثم تنقل الأجنة السليمة إلى رحم المرأة.
  • في حال كان الإجهاض المتكرر ناتجًا عن شكل الرحم غير الطبيعي، أو وجود أورامٍ ليفيةٍ غير سرطانيةٍ، فيمكن إجراء بعض العمليات الجراحية لتعديل شكل الرحم. كما يمكن تقييم عنق الرحم وطوله في حال كان ضعيفًا، بحيث يتمكن الطبيب المختص من إجراء عملية تطويقٍ لعنق الرحم عن طريق وضع غرز فيه قبل الحمل أو أثناءه.
  • في حال كان الإسقاط المتكرر ناتجًا عن بعض الأمراض، فيمكن أن يعمل الطبيب المختص على وصف بعض أنواع الأدوية المناسبة، كالأدوية مانعة التجلط، أو الأدوية العلاجية لقصور الغدة الدرقية والكظرية، أو أدوية علاج السكر.

يعمل الباحثون حاليًا على تطوير عقار يدعى “إن تي 100” لعلاج الإجهاض المتكرر مجهول السبب، إلا أن هذا العقار لا يزال حتى الآن خاضعًا للتجارب السريرية لإثبات فعاليته. حيث يعمل هذا العقار على رفع قدرة تحمل جهاز الأم المناعي لتقبل دخول الجنين وانغراسه في رحمها.

نصائح عند حدوث الإسقاط المتكرر

يعتبر الإجهاض عمليةً مؤلمةً وشاقةً تخسر فيها الأم الكثير من المعادن والعناصر الغذائية الموجودة في جسمها. كما قد تحتاج إلى رعايةٍ صحيةٍ ونفسيةٍ عقب حدوث الإجهاض وخاصة المتكرر منه. وينصح قبل الشروع بالحمل التالي القيام ببعض الإجراءات الضرورية التي قد تمنع تكرار الإجهاض، مثل:

  • تحاليلٍ شاملةٍ للكشف عن وجود أية مشكلةٍ في الغدد الصماء، أو وجود أية عدوى فيروسيةٍ في الدم.
  • فحوصاتٍ للتأكد من عدم وجود تكيسات المبايض، وعدم وجود التهاباتٍ مهبليةٍ داخليةٍ.
  • تحاليل الحيوانات المنوية لدى الزوج، للكشف عن وجود أي ضعفٍ أو خللٍ فيها.
  • الراحة والاسترخاء التامين، وعدم التعرض لأية ضغوطٍ نفسيةٍ، أو القيام بأية أعمالٍ مجهدةٍ.
  • تساعد التمارين الرياضية المعتدلة أو ممارسة اليوغا لمدة نصف ساعةٍ يوميًا في التخلص من التوتر والقلق.

ومن الضروري جدًا في هذه المرحلة اتباع نظامٍ غذائيٍ غنيٍ ومتنوعٍ لتعويض مخزون الأم المستنفذ أثناء الحمل. كما يجب الابتعاد عن التدخين، وتناول المشروبات الغنية بالكافيين، أو المشروبات الروحية.